عواصم - (وكالات): اعترف الجيش الإسرائيلي الأربعاء بمسؤوليته عن غارة جوية استهدفت في 2007 منشأة في شرق سوريا يشتبه بأنها كانت تؤوي مفاعلاً نووياً تطوره دمشق سراً، في إعلان وصفه وزير المخابرات الإسرائيلي بأنه بمثابة تحذير لإيران.

وتأكدت الشكوك التي لطالما حامت حول مسؤولية تل أبيب عن ذاك الهجوم الخاطف.

وليل 5 سبتمبر 2007، أسفرت غارة جوية في منطقة الكبر بمحافظة دير الزور السورية عن تدمير منشأة صحراوية قالت الولايات المتحدة لاحقاً أنها كانت تضم مفاعلا نوويا يبنيه النظام السوري سراً بمساعدة من كوريا الشمالية، في اتهام نفته دمشق مؤكدة أن المنشأة المستهدفة ليست سوى قاعدة عسكرية مهجورة.



ومع أن كل أصابع الاتهام أشارت إلى وقوف سلاح الجو الإسرائيلي خلف تلك الغارة، إلا أنها المرة الأولى التي تعلن فيها تل أبيب صراحة مسؤوليتها عن تدمير المنشأة السورية.

وأتى الاعتراف بعد رفع السلطات الإسرائيلية السرية عن مواد متعلقة بالغارة وفي وقت تكثف إسرائيل تحذيراتها من الأخطار المتأتية من تعزيز طهران وجودها العسكري في سوريا ودعواتها إلى تعديل أو إلغاء الاتفاق المبرم بين الدول العظمى وإيران حول برنامجها النووي.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمهل الأوروبيين حتى 12 مايو لتعديل الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015 تحت طائلة انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق الدولي.

وأثار إعلان الجيش ألإسرائيلي مسؤوليته عن الغارة على موقع الكبر علامات استفهام حول ما إذا كانت إسرائيل تريد من وراء هذه الخطوة توجيه تحذير إلى إيران ومنشآتها النووية.

وبالفعل، قال وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان في بيان إن الغارة بمثابة رسالة إلى "أعداء" إسرائيل.

وأضاف "أن دوافع أعدائنا ازدادت في السنوات الأخيرة، لكن قوة جيشنا وسلاحنا الجوي وقدراتنا الاستخباراتية ازدادت بالمقارنة مع قدراتنا في 2007"، مضيفا "على الجميع في الشرق الأوسط أخذ هذه المعادلة في الاعتبار".

وكان وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس أكثر وضوحاً، فأشار إلى إيران بالاسم قائلاً في تغريدة، "القرار الشجاع للحكومة الإسرائيلية قبل 11 عاماً تقريباً بتدمير المفاعل النووي في سوريا والعملية الناجحة التي تلته توجهان رسالة واضحة: إسرائيل لن تسمح أبداً بحيازة دول تهدد وجودها مثل إيران، السلاح النووي".

بدوره، اكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء أن إسرائيل ستمنع أعداءها من امتلاك أسلحة نووية وقال على تويتر "الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي والموساد "وكالة الاستخبارات" منعت سوريا من تطوير قدرات نووية، وتستحق كل شكر على ذلك".

وأضاف "سياسة إسرائيل كانت ولا تزال كما هي وهي منع أعدائنا من امتلاك أسلحة نووية".

وهنأ الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين المسؤولين والمشاركين في الغارة في سوريا مؤكداً أن الإسرائيليين "يدينون لهم بهذا الأمر مدى الحياة".

وفي 1981، دمر سلاح الجو الإسرائيلي مفاعل تموز النووي في العراق على الرغم من معارضة واشنطن لتلك الخطوة في حينه.

وتشمل المواد التي رفعت إسرائيل السرية عنها ووزعتها على وسائل الإعلام لقطات لصور من القصف وشريط فيديو لقائد العملية في حينه الجنرال غادي إيزنكوت يكشف فيه تفاصيل حول الهجوم وصوراً لبيانات سرية عن الموقع جمعتها استخبارات الجيش.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان الأربعاء "ليل الخامس إلى السادس من سبتمبر 2007، بدأت العملية في الساعة 22:30 حين أغارت أربع طائرات إف 16 و4 طائرات إف 15 على الموقع قبل أن تعود بعد أربع ساعات في تمام الساعة 02:30 من فجر اليوم التالي" وأضاف "نجحت مقاتلاتنا في تدمير مفاعل نووي سوري في مراحل التطوير وعادت إلى قواعدها سالمة".

وقالت الوثائق "إن الطائرات انطلقت من قاعدتي حاتسريم ورامون في النقب جنوب البلاد وحلقت في بداية الأمر على ارتفاع منخفض غرباً ثم شمالاً قرب قبرص ومن ثم اتجهت إلى المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا حيث حلقت على ارتفاع عال ولدى اقترابها من المفاعل أسقطت عليه قنابل بوزن سبعة عشر طنا".

وأضاف الجيش أن "المفاعل كان قريباً من الاكتمال. ونجحت العملية في إزالة تهديد وجودي ناشئ لإسرائيل والمنطقة بأكملها من القدرات النووية السورية".

وقالت الإذاعة الإسرائيلية "إن القرار اتخذ في بيت رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت بمشاركة مسؤولين اثنين".

ومع أن اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن الضربة الجوية ليس مفاجئا، إلا أن المادة التي رفعت عنها السرية الأربعاء توفر تفاصيل جديدة عن الغارة التي أطلقت عليها اسم "عملية البستان" ونفذت بفائق السرية.

وفي شريط الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي تظهر لقطات مشوشة للضربة الجوية مبنى يتم تحديده هدفاً للغارة قبل أن يتم قصفه وتدميره.

وأوضح بيان الجيش أن الاستخبارات العسكرية والموساد كانت حصلت على معلومات حساسة عام 2004 بان هناك خبراء أجانب يساعدون سوريا في نشاطات نووية.

ومع أنها المرة الأولى التي تعترف إسرائيل بأن طائراتها الحربية نفذت الهجوم، إلا أن الولايات المتحدة أكدت منذ 2008 بأن الغارة شنتها إسرائيل وأن الموقع المستهدف كان مفاعلاً نووياً سرياً قيد البناء.

ومع أن دمشق نفت الاتهامات، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت في 2011 أنه "من المحتمل جداً" أن يكون موقع الكبر قد أخفى خلف جدرانه مفاعلاً نووياً يجري بناؤه بمساعدة من كوريا الشمالية.

وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي، فإن "مفاعلاً نووياً تحت سيطرة الأسد ستكون له انعكاسات استراتيجية حادة على الشرق الأوسط كما سينعكس على إسرائيل وسوريا".

وفي شريط فيديو آخر، يستذكر قائد أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت الذي كان في ذلك الوقت قائداً لمنطقة الشمال العسكرية، الاجتماع الذي عقد مع ضباطه لاطلاعهم على العملية قبل تنفيذها بقليل.

ويقول ايزنكوت في الفيديو "لم أعطهم التفاصيل الدقيقة للهدف أو طبيعته، لكني قلت إنه سيكون هناك هجوم كبير خلال الساعات الـ24 او 48 المقبلة، وهناك احتمال ضئيل بأن يؤدي إلى حرب".

ويضيف "بالنسبة إلي، الاحتمال الضئيل يعني 15 أو 20 %، وهذه نسبة مرتفعة".

وخاضت سوريا وإسرائيل حروباً متكررة منذ تأسيس دولة الاحتلال عام 1948. ولا يزال البلدان رسميا في حالة حرب.

وعبرت إسرائيل مراراً عن قلقها المتزايد من محاولات إيران ترسيخ نفوذها العسكري في سوريا.

وأشار رئيس الأركان في حديثه في شريط الفيديو إلى أن الرسالة من الضربة التي نفذت عام 2007، ومن الغارة الإسرائيلية عام 1981 ضد مفاعل نووي في العراق، هي "أن إسرائيل لن تقبل ببناء قدرات يمكن أن تشكل تهديداً لوجودها".

واختتم "هذه هي الرسالة من عام 81، هذه هي الرسالة من عام 2007، وهذه هي رسالة المستقبل لأعدائنا".