الجدية والتصميم اللتان أبداهما معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في المشروع الكبير الذي أطلقه معاليه والهادف لترسيخ «الانتماء الوطني» تبدتا في سرعة تحويله للمبادرة التي أطلقها قبل شهرين فقط إلى خطوات ملموسة.

مواصفات رجل الدولة الوضوح في الخطاب فصاحة ومعنى، والتنفيذ السريع غير المتلكئ لما يعد، والجرأة في أخذ زمام المبادرة.

كان إطلاق المبادرة من خلال خطاب صريح بلا لبس وبلا تردد حول مهددات هويتنا الوطنية وملوثات البيئة الوطنية، ثم جاء تشكيل لجنة وطنية توكل لها مهمة وضع تصور واقعي وقابل للتطبيق، لما هو مطلوب من أجهزة الدولة والمطلوب من مؤسساتنا المدنية ومن الأفراد، من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة خلال شهرين يصل بنا إلى رجل يؤمن وجاد بما يإتي في خطابه.

تحمل مسؤولية فوق طاقة مؤسسته التي يرأسها تتوج مواصفات رجل الدولة، ويأتي على رأس تلك المسؤوليات بناء حائط صد ضد من تسول له نفسه اختطاف أبنائنا وتحويلهم إلى قنابل موقوتة، تنفجر في أوطاننا، فيذهب ضحاياها هم أولاً وأسرهم إلى جانب ضحايا الإرهاب من رجال أمن ومدنيين وتخسرهم البحرين.

ما أكثر ما أطلقنا من أفكار جميلة وألقينا خطباً عصماء في أهمية زرع مفاهيم الانتماء الوطني، إنما كنا بحاجة إلى رجل دولة يتبنى ويلتزم بمتابعة الأفكار الجميلة التي يطلقها في خطاباته -و ما أكثرها- وتحويلها إلى واقع.

كم نحن بحاجة إلى رجال دولة تأخذ التزامها دين في رقبتها فتوفيه حقه بلا تأجيل أو تسويف، نحن بحاجة إلى رجال دولة تستشير وتطلب العون من المجتمع ليكون شريكاً معها في التفكير و في إبداء الرأي و في الإعانة بوضع تصور واقعي، توسيع نطاق الرأي والمشورة ذكاء وجرأة وثقة بالنفس.

نحن بحاجة إلى رجال دولة لديهم القدرة على إدراك أهمية النظرة الشمولية لأي فكرة يراد تحويلها إلى برنامج عمل، إدراك يعي أهمية توسيع دائرة المشاركة وذلك بتوسيع دائرة المسؤولية، فيضع الكرة أمام شركائه معه، كي يتحملوا معه الفشل مثلما يتحملون معه النجاح إن شاء الله. لذلك فإن فكرة «اللجنة» بهذه التشكيلة المنوعة من أبناء الوطن المخلصين الذين يرون في البحرين وطناً وحضناً وأمام تجمع كل أطيافه تحت مظلته فكرة يصفق لها وأن تأتي خلال شهرين تعني أن الرجل جاد فعلاً وأنه بدأ التنفيذ وبدأه صح.

ثم يتبدى الذكاء في وضوح الرؤية ورسم الإطار الذي ستعمل اللجنة ضمنه حين وصف معنى الانتماء الوطني بمحطاتنا التاريخية المفصلية فوضع من خلال ذكر تلك المحطات النقاط على الحروف، في ماذا يعني الانتماء الوطني للبحرين وكيف يراه؟ فاختار أربع محطات تاريخية لشعب البحرين صمم فيها شعب البحرين على عدم الارتهان لغير الوطن.

اختار محطته الأولى فقال معالي وزير الداخلية «أنا أتحدث عن الوطنية التي صوتت لعروبة البحرين بقيادة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد رحمه الله. رداً على مطالبات شاه إيران، وكان ذلك أمام لجنة تقصي الحقائق في عام 1970».

ثم اختار محطته الثانية «وأتحدث عن البحرين التي صوتت بنعم للميثاق بنسبة 98.4% بقيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة».

ومحطته الثالثة «والبحرين التي تغلبت على الفوضى والتزمت بالنظام في عام 2011».

والمحطة الأخيرة «والبحرين التي انتخبت نوابها بعد انسحاب من أرادوا أن يعطلوا حياتنا الديمقراطية».

ثم قال «لا شك لنا أن نفتخر بهذا الرصيد الوطني ونحافظ عليه».

المحطات الأربع هي التي تصدت فيها البحرين بجميع أطيافها لإيران وعملائها، وضوح وصراحة إلى جانب الجدية ما نريده من رجال الدولة.

أنت أمام رجل يبادر بطرح الأفكار ومستعد أن يحمل راية التنفيذ، يعرف صعوبة المهمة لأنها تخص أجهزة ومؤسسات خارج نطاق المؤسسة التي يرأسها ومع ذلك يتقدم.

أمام رجل صريح في قوله لا يتلكأ ولا يتردد قولاً وفعلاً في مواجهة التهديدات التي تمس البحرين بتسمية الأشياء بمسمياتها، في معنى الانتماء ومعنى الخيانة ومعنى الهوية وفي توصيف ما حدث عام 2011 وما بعده، لا يمسك العصا من منتصفها حين لابد أن تكون العصا القانونية نافذة لمن عصى القانون.

وأمام رجل مؤمن بأن الوطن للجميع وينقل إيمانه لبرنامج عملي ممثلاً في تشكيل اللجنة وفي تنوع تشكيلها واضح الرؤية محدد الأهداف، مقتنع أن تنفيذ المبادرة لابد أن يكون شمولياً لا يخص وزارة الداخلية فحسب، بل سيخص الجميع ومظلته الوطن.

البحرين بحاجة لرجال دولة خطابهم واضح وصريح وجريء وأفعالهم تسبق أقوالهم.

كل التوفيق لمعالي الوزير وللجنة التي ننتظر منها الكثير بإذن الله.