"من الممكن القول إن تجربتي الشعرية مرت بمرحلة جنينية وثلاث محطات أساسية وتجربة رابعة مازلت أعيش فيها" .. هكذا أوجز الشاعر علي الشرقاوي مسيرته في كتابة الشعر بإحدى حواراته الإعلامية، مضيفا " منطلقاً من البعد الوطني، الأيدلوجي اليساري بالذات، بدأت نشر تجاربي الشعرية الأولى، لذلك كانت قصائدي تعبر عن موقف سياسي حاد وتحمل الكثير من نقد للصراع الطبقي والوقوف في صف الطبقة العاملة ومشاركة اليسار العالمي بالحلم بالمجتمع الاشتراكي ثم الشيوعي بعد ذلك، وبين عام 1968 وعام 1975 نشرت عشرات القصائد ذات المضامين السياسية والوطنية الصارخة والمطالبة بالحرية التامة وحياة أفضل للإنسان البحريني والإنسان في العالم".

قطيرات الحلم

القارئ لمسيرة علي الشرقاوي الطويلة بمجال كتابة الشعر يصاب بتخمة من زخم تفاصيل الحياة الممزوجة بالتجربة نفسها وانعكست على حروفها وكلماتها، يستكمل الشرقاوي سرد مسيرته قائلا "بعد صدور قانون أمن الدولة عام 1975 واعتقال العديد من كوادر الحركة الوطنية في البحرين، والذي كان نصيبي منها مدة أربع سنوات متواصلة، جلست طويلاً في السجن مع تجربتي الشعرية، ورأيت أن ما أكتبه ليس غير شعارات وطنية في قالب منظوم، يسمى قصيدة التفعيلة من هنا انفتحت أكثر على التيارات الشعرية المغايرة للمألوف والعادي والمكرر في العالم، تعايشت مع تجربة لوركا وزاملت رامبو وشربت الجعة مع بودلير، ودخلت تثوير الجملة الشعرية عند أدونيس، ولعبت مع حيوانات سليم بركات وبالطبع تنادمت مع قاسم حداد الذي كان معي في السجن، ويشرب معي قطيرات الحلم بالحرية التي خلقنا لها أجنحة كانت تطير بنا إلى أبعد كوخ في أقاصي العالم، وتجعل مناخ السجن أكثر حرارة ودفئاً وحيوية وحرية من الخارج المصادرة فيه قيمة الإنسان وكرامته وأحلامه.

الأنوار الكونية

تجربة السجن لم يكن لها تأثير على تجربة الشرقاوي الشعرية فقط لكنها كانت بمثابة غسيل للروح والفكر ليخرج منها مدججا بمعتقدات وأفكار جديدة في الحياة والعمل والكتابة والشعر والأدب، يقول الشرقاوي "في السجن خرجت من إطار قصيدة الموضوع، إلى قصيدة الرؤيا فكانت تجربة (رؤيا الفتوح) بداية لهذه المحطة وهي قصيدة طويلة تعبر بصورة مغايرة عما كنت أطرحه في التجارب السابقة مثل مجموعة (هي الهجس والاحتمال) ومجموعة (المزمور 23 لرحيق المغنين شين) كانت (رؤيا الفتوح) و(نخلة القلب) في تصوري، تجربتان مغايرتان لقصيدة الموضوع ثم جاءت بعدهما تجربة (تقاسيم ضاحي بن وليد الجديدة) والتي اندمجت فيها تجربتي الحياتية بتجربة الفنان الشعبي المعروف ضاحي بن وليد كانت تلك التجربة، في تصوري، من التجارب الصعبة على القارئ البحريني فما بالك بالقارئ العربي، فقد حملت العديد من الرموز الخاصة والمبتكرة والشديدة الخصوصية، التي لا يمكن أن يتعرف عليها إلا من عايشها. تبعتها تجربة ( ذاكرة المواقد) والتي في واقعها بمثابة ذاكرة للحركة الوطنية في البحرين، من خلال بعض الأسماء المرموزة، برؤية مختلفة عما يطرح في الأدبيات السياسية، والتي لم تقرأ حتى من السياسيين الذين لا يعرفون التماهي واللغة الشفافة. والتي تحاول أن تقول في ما بعد النص أكثر مما قاله النص.

ويستطرد الشرقاوي "بعد هذه التجارب رجعت إلى كتابة قصيدة المضمون في عدة مجموعات شعرية منها (مائدة القرمز) وللعناصر شهادتها أيضاً أو المذبحة ثم في مجموعة (وآعرباه) والتي كانت عبارة عن موقف ضد غزو النظام العراقي لدولة الكويت بعد فترة قررت الانتقال إلى أقاليم شعرية غير مطروقة وخلق عالمي الخاص المغاير لما هو مطروح في الساحة المحلية والعربية والعالمية فقمت بابتكار شخصية متخيلة فكانت تجربة (مخطوطات غيث بن اليراعة) وبعدها تجربة (كتاب الشين) والتي حاولت الابتعاد عن كتابة (شعر) وفي التجارب الجديدة حاولت التواصل مع المطلق واعتبار الإنسان قطرة نور في محيط الأنوار الكونية والرغبة الكلية للانسجام والتكامل مع كل ما هو موجود في الكون.