* ليس لي بد من أن أكتب مجدداً كلما مررت بموقف أثر في مشاعري، أو أعطاني سنحة من سوانح الحياة، أو أضاف إلى خبراتي تجربة جديدة.. لأني باختصار أحب أن أكتب «جزء من مذكراتي» التي لطالما حلمت أن أكتبها في كل مرحلة من مراحل حياتي.. ليس من باب الترف الفكري أو «شخابيط قلم» بقدر ما هي تجربة حياتية مؤثرة.. أثرت في شخصيتي إلى حد بعيد.. لدرجة أنني أحسست أنني مقصر.. نعم مقصر.. لأنني لم أستطع بعد أن أصل إلى مرادي.. ليس تكاسلاً.. ولا تلاعباً بالأوقات.. ولا استسلاماً لظروف الزمان والمكان.. ولكن.. لسبب ما لم أستطع أن أجد له جواباً شافياً في الوقت ذاته.. لذا سأظل أكتب لأني على يقين.. بأن كلماتي هي دروس لنفسي أولاً.. ثم لمن أحبهم.. بل مواقف مؤثرة قد تفيدهم في حياتهم.. لأنهم بحاجة ماسة إلى كل خبرات الآخرين حتى يصلوا إلى تحقيق آمالهم وطموحاتهم.

* الكثير منا يقيس عمره بسنوات الحياة التي يعيشها الآن.. وكلما سألته قال: «كبرنا».. فهل يا ترى كبرنا بالفعل وشاب شعرنا؟ أم أحسسنا أن الآجال قد حانت.. فحان موعد قطف الثمار؟ تريث يا صاحبي قبل أن تطلق عنان التفكير في القادم المجهول.. أو تراجع سنوات العمر التي مضت.. ثم تقول «كبرنا».. تريث قبل كل شيء.. لأن الأعمار إنما تقاس بمقدار العطاء.. فقياس المرء لسنوات عمره بمقدار ما قدم من عطاء في خدمة البشرية وخدمة دين الإسلام.. فمن غير المعقول أن يظل المرء سارداً في أحلامه ينتظر لحظة مثلى يرقص على أنغامها تحقيقاً لأهواء نفسه في دنيا قصيرة الأيام.. من غير المعقول أن تظل عقول البعض تتمتع بأيام عمرها في تفاهات شهوة ساعة.. مقابل أن تخسر معها الكثير من الأوقات التي لو استثمرتها بصورة صحيحة لاستطاعت أن تتبوأ المراتب العليا في الجنان الخالدة.. فأستغرب أن تسمح لنفسها أن تكون «سلعة رخيصة» من أجل أن تتذوق العيون حلاوة الأجساد!! في وقت قد تكون فيه النفس على موعد قريب من الرحيل الحتمي.. هذا ما رصدناه في الأيام الماضية من قصص مؤلمة لشباب رحلوا على حين غرة.. فكانت الصورة الذهنية لهم ما بعد الرحيل.. صنيع أعمالهم.. وأخلاقهم التي أبقت أثراً بائناً في حياة كل من قابلتهم.. إنه الأثر الكبير الذي يصنعه المرء، الذي لربما صنعه في سنوات معدودة مقابل أفراد عاشوا سنوات طويلة.. بلا عمل يذكر.. إنما تقيس عمرك بجياد المعاني وفضائل الأعمال وأثر المواقف.. فلا تغرنك الحياة الدنيا.. وتجهز لموعد أنت قادم عليه لا محالة..

* تراهم دائماً يصرون على الاصطياد في الماء العكر، وينبشون العيوب بحثاً عما يسد جوعتهم، ويحقق لهم مآرب في نفوسهم.. اعتادوا أن يكونوا صداً منيعاً أمام كل من يخالفهم في الفكر، فاعتادوا على نبش الأجساد والطعن والهمز واللمز بسير أناس بذلوا حياتهم من أجل خدمة الوطن وأهله وناسه.. فلا يهدأ لهم بال عندما يرون من خالفهم يرسم صورة جميلة على جدران الحياة.. لعمري أن الزبد سيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض..

* يتكلمون عن الذكريات لأنها جزء أصيل من فصول حياتهم.. يتكلمون عنها بحرقة.. لأنهم لم يعودوا يرون أيامها الزاهية الجميلة التي كانوا يتبادلون فيها رسائل الحب الرقيقة النقية النابعة من قلوب محبة للخير.. يحق لهم أن يتكلموا عن الذكريات لأنه النفس الباقي لهم في حياة «روتينية قاتلة» تستنزف كل طاقة المرء من أجل أن ينجز عملاً واحداً من أصل عشرة أعمال.. يحق لهم أن يتحدثوا عنها لأنهم يعيشون في حياة سريعة جداً لا تقدر أن تعي ملامحها كما كنت سابقاً.. يحق لهم أن يتكلموا عنها.. لأنه تنعش القلب.. وإن تقاطرت الدموع.. فإنها وبلا شك تعطيك الأمل لتنعش مجالات عطائك التي أحببتها.. اهتم بالذكريات الجميلة فهي ومضة جميلة في الحياة.

* نسج خيوط العشق في منظومة حياته، وقرر أن يرتبط بشريكة حياته لتقاسمه سعادة الأيام القادمة. هو يعلم علم اليقين أنه على مقربة من أن يضع على كاهله تبعات ثقالاً لربما لا يتحملها مع قادم الأيام.. ولكنه كما اعتاد في حياة «العزوبية» على موعد جديد مع مسؤولية جديدة وتحدٍّ جديد يضمن له في المستقبل دوحة جميلة عامرة بالحب يسكن فيها فؤاده ويسكن فؤاده تلك المشاعر الرقيقة التي ولدت منذ اللحظة الأولى من عقد قران الزوجية.. لقد اعتاد أن يكتب سطور فصول حياته التي مرت به منذ اللحظة الأولى التي فقه فيها معنى الحياة الحقيقية.. ولكن لربما اختلف الأمر الآن.. فهو يكتب فصول حكايات جميلة مع أرق المشاعر التي تشابك حبه معها.. حبه الجميل الذي قرر أن يرسمه على كل أجزاء جسده.. فاستمر معها وقررا أن تكون حياتهما حياة سعيدة هانئة يتماسكون فيها ويحفظونها من تيارات الهدم ومن اللدغات العابثة.. فسخر لهما المولى الكريم الذرية التي تنادى كل منهما من أجل أن يحتضنا المولود الأول.. ثم الذي يليه.. ليس عبثاً.. ولكن حباً لنغمات الطفولة وشقاوتها.. فملأت تلك الضحكات ونبرات الطفولة «وإزعاجها أحياناً» كل ركن من أركان البيت.. بل كل نفس من أنفاس الزوجين.. حتى توالت السنوات.. فأضحى البيت خاوياً على عروشه.. ماذا حصل يا ترى..؟ فأين آهات المحبة.. وشقاوة الأبناء.. وأين من كان يراجع دروسه.. وذلك الذي يلبس ملابسه.. والآخر الذي يلعب بألعابه.. يا سبحان الله.. لكل زاوية في البيت حكاية ترويها نبضات الحب فيها.. لقد قرروا في لحظة خاطفة أن ينصرفوا إلى حياتهم الجديدة.. إلى بيوت أزواجهم في حياة أخرى ينسجون فيها قصة حياتية جديدة.. ليعود كل زوجين كما كانا.. وكما بدآ يكملون الحكاية.. ولكن ليست كتلك التي بدأت.. فقد حانت اللمسات الأخيرة لقصة الحياة.. فهل يا ترى هي دموع الفرح أو الألم.. بحثاً عن صرخة واحدة تعود من جديد: «يا يبه قوم بسرعة البس ثيابك وروح المدرسة!!».

* ومضة أمل:

لكل شيء جميل.. نهاية حتمية.