ازدادت في الآونة الأخيرة الأخبار المتعلقة بحالات التعنيف الأسري على نحو يشير إلى أن ضحايا العنف الأسري بدؤوا يعون أهمية كسر الدائرة، والتحدث عما يتعرضون إليه وعدم الصمت أو المداراة على الجرائم التي تحدث داخل نطاق الأسر بسرية تامة.

الحملات الإعلامية والتوعوية بدأت تأتي أُكُلها في مجتمع تقليدي دأب على التستر على المعنِفين -بكسر النون- حتى بات المعنَفون -بفتح النون- يبتلعون حسراتهم وأوجاعهم بصمتٍ تحت ذريعة «الرغبة في استمرار الحياة»، التي هي في حقيقة الحال لا تحوي أياً من مقومات «الحياة».

الحديث علناً عن حالات التعنيف الأسري، وبخاصة إن كان ضحاياها من الأطفال، يثير في النفس قدراً من الاطمئنان للشعور بأن المجرم «المعنِف»، لن يفلت من عقال العقاب حتى وإن كانت العقوبة المفروضة قانوناً لايزال دون مستوى الطموح.

إذ لا يجب أن يترك معنفو الأطفال يسرحون ويمرحون وكأنما ما من جرم فظيع قد ارتكبوه، وعلى الدولة أن تضرب بيدٍ من حديد على مثل هؤلاء. ولا بد من تغليظ عقوبة مرتكبي جرائم العنف الأسري خاصة إن كان صادراً من أحد الأبوين أو كليهما تجاه أبنائهما، فإلى جانب جرم العنف فإن هؤلاء قد خانوا الأمانة فأطفالهم أمانة أودعها الخالق بين أيديهم.

ولا يخفى على أحد الأضرار الوخيمة الناجمة عن تعرض الطفل للعنف بشكل عام، وبخاصة إن كان صادراً من قبل المؤتمنين عليه، حيث يكون الطفل المعنف أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، فقد يصاب بالقلق المرضي أو الرهاب الاجتماعي أو حب العزلة عن الناس كما قد يؤدي العنف إلى المساهمة في تشكيل شخصية غاضبة، عدوانية، ومؤذية لمحيطها ومجتمعها. وقد يفضي العنف أيضاً إلى تحجيم العلاقات الاجتماعية للطفل المعنّف لاهتزاز ثقته بنفسه وبالآخرين.

وقد أظهرت الدراسات النفسية أنه في بعض حالات العنف الشديدة ضد الأطفال تؤدي إلى صناعة المجرمين والقتلة في المجتمعات. كما أن العنف اللفظي المتبع مع الأطفال في بعض الأسر قد يسهم في خلق مشاكل اجتماعية عديدة، فالطفل الذي يعتاد على سماع الألفاظ النابية، سيستخدمها في حياته وفي تعامله مع المحيطين به.

وبحسب الدراسات فإن الآباء المعنفين هم في الغالب أطفال معنَفون كبروا ليمارسوا عقدهم النفسية على أطفالهم، والحلقة تدور ويجب إيقافها بحماية الأطفال ورعايتهم حتى لا يكبروا مشوهين نفسياً فيمارسوا فعل التعنيف نفسه مع أطفالهم.

أما حجة البعض في ضرب الزوجة أو الأبناء بغرض التأديب، وهو المصطلح الفضفاض الذي ليس له حد أو معنى ثابت، فإن الإسلام قد حدد نطاق هذا التأديب الذي يجب ألا يترك أثراً على جسم الآخر وأن يكون على مناطق معينة ليس من بينها الوجه.

وعليه، فإن على الدولة -باعتبارها الحامي الأمين للمجتمع- أن تضع حداً لمثل هؤلاء الأشرار وأن تتدخل لحماية الأطفال الذين يتعرضون للعنف، بكافة صوره وأشكاله، الجسدي واللفظي وحتى النفسي، فعندما يضرب الأب زوجته أمام الأطفال يكيّف فعله على أساس جريمة الاعتداء على سلامة جسم آخر، ولكن ماذا عن جريمة ترويع الأطفال والمساس بأمنهم واستقرارهم النفسي وهي الجريمة التي لن يُمحى أثرها لبقية حياة هذا الطفل، اللهم إلا عبر تأهيل نفسي متخصص، وهو ما لا يتوافر لكثير من الحالات المعنفة وإن توافر فقد لا يؤتي أكله على النحو المرجو.

ثم ماذا عن جريمة حرمان أولئك الأطفال من الحياة الطبيعية كأقرانهم دون عاهات جسدية أو عقد نفسية، في حالة تعرضهم للعنف؟ فلو أن المشرع قد غلظ العقوبة على كل أب معنف لأبنائه لما تجرأ أحدهم على تعذيب ابنه وانتهاك حرمة طفولته والجور على أمانه واستقراره النفسي، ولما تمكن هؤلاء الأشرار من إنجاب أطفال يربونهم على العنف.

من المؤسف فعلاً أن بعض الآباء قد أمنوا العقاب فأساؤوا الأدب مع أبنائهم، واسألوا المحامين والقضاة والأطباء عن قصص العنف ضد الأطفال التي تشيب لها الولدان.. كل ذلك يقودنا إلى سؤال واحد مهم.. أليس من الأجدى أن يُحرم كل أبٍ معنف أو أمٍ معنفة من الإنجاب -بقوة القانون- جزاءً لما اقترفوه في حق الطفولة؟!

* سانحة:

ليس هناك أحمق ممن يهبه الله ظهراً ليستند عليه.. فيكسره!