قبل البدء بالموضوع الرئيس، لابد وأن نعود إلى «حرب الثلاثين عاماً»، تلك الحروب الدينية التي وقعت في قلب أوروبا، أي قبل 370 عاماً، وهي سلسلة من الصراعات الدامية التي قسمت أوروبا بين عامي 1618 و1648، وخلال سنوات الحرب الدينية تغيرت تدريجياً طبيعة ودوافع الحرب، حيث مثلت بدايتها كحرب دينية بين الكاثوليك والبروتستانت، وانتهت بحرب سياسية. كان الأثر الأكبر لتلك الحرب والتي استخدمت فيها جيوش مرتزقة على نطاق واسع، هدم وتدمير مدن بأكملها تركت خاوية مما تعرضت له من نهب وسلب. وانتشرت خلال تلك الحروب المجاعات والأمراض وهلاك العديد من سكان المدن الأوروبية، وإفقار العديد من القوى المتورطة في الصراع.

من هنا ننطلق، بما يحدث في المنطقة العربية ومحاولة ربطه بما حدث في قلب أوروبا قبل ما يقارب ثلاثة قرون ونصف، فَفِي القرن الواحد والعشرين، يروع جميع الأبرياء في مختلف الدول العربية بكثرة العمليات العسكرية على مستويين:

المستوى الأول: وهو المستوى الدولي، والذي تقوده الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية ناهيك عن الدول الإقليمية في المنطقة العربية والتي تستخدم فيها مختلف الأسلحة المتطورة وحتى المحرمة دولياً، وكل طرف من الأطراف الدولية يدعم جناحاً من الأجنحة العربية، والمحصلة، القاتل عربي مسلم، والمقتول عربي مسلم، القاتل، يرفع راية لا إله إلا الله، والمقتول، يرفع راية لا إله إلا الله، فنحن نقتل بعضنا البعض، والعدو يتربص بنا ويقتلنا جميعاً.

أما المستوى الثاني: وهو المستوى الإجرامي الذي يروع ويقتل الأبرياء في المنطقة العربية من خلال العمليات التفجيرية الإجرامية التي تجري فصولها المؤلمة في معظم الدول العربية، والهدف من تلك العمليات قتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ الذين لا ذنب لهم والتدمير الشامل لاقتصاديات الدول العربية.

وها نحنُ نشهد منذ عام 2003 أي ما يقارب 15 عاماً من الأعمالِ الإجراميةِ التي تتنقل بين الدول العربية، ونتساءل بكل ألم ومرارة بأي ذنب يقتل الأطفال، بأي ذنب تقتل النساء، بأي ذنب يقتل الشيوخ، لا بد لنا وأن ندرك ما يحصل بالمنطقة العربية من شناعة الأعمال وعظيم آثارها على الشعوب العربية والأمة بأكملها. فإنها حرب يضفى عليها غطاء من قبل قوى إقليمية ودولية لن تنتهي إلا بانتهاء كثير من الدول العربية ما لم يكن هناك وعي عربي حقيقي لما يجري في المنطقة.

* استاذ العلوم السياسية - جامعة العلوم التطبيقية