في مختلف دول العالم يشكل الجيش أو ما أصبح يوصف بالقوات المسلحة قطاعاً مهماً ذي طبيعة خاصة في النظام السياسي. لعلنا نتذكر القول المنسوب للزعيم الصيني ماوتسي تونج بأن السلطة تتبع من فوهة البندقية، وكذلك لعلنا نتذكر أن أهم الأوسمة في العالم تسمى باسم

«فارس Cavalry or Knight»، وخاصة في أوروبا منذ العصور الوسطى، ثم أن مصطلح «فارس» أو «خيال»، أصبح يتغنى به المغنيون وأصحاب الفلكلور الشعبي، فها هي سميرة توفيق المغنية الأردنية البدوية المشهورة لها أغنية باسم «يا خيال الزرقاء»، وهي اسم مدينة مشهورة وعريقة في الأردن، كما أن مصطلح الاستراتيجية والتكتيك هو من المصطلحات العسكرية ثم انتقلت هذه المصطلحات بما في ذلك الأوسمة إلى الحياة المدنية. كما أن أشهر الحكام في الدولة الحديثة في مصر الفرعونية كان اسمه «حور محب» وهو كان قائداً عسكرياً، كذلك كان أحمس الذي حرر مصر من الهكسوس، ورمسيس الثاني، ومينا الملك الأول، الذي وحد القُطرين. باختصار العسكريين عبر التاريخ من مختلف الدول لهم مكانة خاصة وهم أسسوا معظم الدول وشيدوا الحضارات في الصين وفارس والإغريق والهند وغيرها، ولعل شخصيات مشهورة مثل الإسكندر الأكبر وبطرس الأكبر وخالد بن الوليد وغيرهم حظوا بمكانة رفيعة في التاريخ لبلادهم بحكم دورهم العسكري.

وإذا انتقلنا للعصر الحديث نجد الولايات المتحدة قادها عدد من العسكريين أو شبه العسكريين من جورج واشنطن إلى إيزنهاور ومن ينتمي للجناح المدني لابد أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية ولم يتهرب منها وينتقد بشدة من لا يؤدي الخدمة العسكرية. وأشهر قادة فرنسا المعاصرين الجنرال شارل ديجول، وأشهر قادة مصر الحديثة أحمد عُرابي وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وعبدالفتاح السيسي وغيرهم كثيرون، وهذا لا يعني أن كل من خلفيته عسكرية ممتاز أو من خلفيته مدنية ممتاز. ما أريد أن أقوله هو أن المهم هو الشخص وسلوكه ومؤهلاته وخبرته وليس مجرد الأصل أو المهنة أو الوظيفة. فمثلاً مارغريت تاتشر التي عرفت باسم المرأة الحديدية أو انديرا غاندي أو بينظير بوتو ليس لهن خبرة عسكرية ولكن كن يعتمدن على الخبراء العسكريين في قراراتهن الإستراتيجية، وأثبتن حنكة وقدرة أفضل وأحسن من كثير من القادة أو العسكريين.

والولايات المتحدة قلبت كل المعايير الدولية لحماية جنودها وضباطها من أية محاكمات دولية، مهما ارتكبوا من جرائم أو أخطاء ووقعت معاهدات مع الكثير من الدول الأجنبية لحماية جنودها، وبالطبع ضباطها، من أية محاكمات ترتبط بجرائم دولية ضد الإنسانية، ورفضت الانضمام للمعاهدة الدولية التي أقامت المحكمة الجنائية الدولية، وأحاطت جنودها بكافة الضمانات الدولية والوطنية، ونادراً ما قدمت جندياً للمحكمة الوطنية. أما الضباط الأمريكيون فانهم مهما فعلوا فأقصى موقف منهم هو إحالتهم للتقاعد كما حدث مع القائد الأمريكي في أفغانستان عندما أدلى بتصريح ينتقد فيه سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. بريطانيا وفرنسا وغيرها تسلك نفس السلوك كما أنه من حق الرئيس الأمريكي في نهاية فترة رئاسته أن يصدر قرارات بإعفاء شخصيات سياسية أو شخصيات عامة من أية مساءلة قانونية عن أعمال تعد من الأخطاء وإلى حد كبير تسلك نفس الشيء كثير من الدول الغربية وأيضاً روسيا والصين فلا نجد أن أمراً ما استدعي توجيه النقد للقوات المسلحة من أي حزب سياسي أو أية قوة سياسية فضلاً عن خروج شباب من قليلي الخبرة للصياح ضد القوات المسلحة بما في ذلك أثناء الأزمات أو التوترات في دول مختلفة، كما في تظاهرات الشباب المشهورة عام 1968 بعد هزيمة 1967. وهذا لا يعني أن القوات المسلحة أو الجيوش لا أو لم ترتكب أخطاء فكل شخص يمكن أن يرتكب خطأ، ولكن العبرة هي هل هو خطأ مقصود وهل هدفه شخصي أو وطني مثل أخطاء الحروب، ويمكن أن يتم التحقيق معه في الإطار العسكري أو من لجان خاصة كما حدث في مصر بعد هزيمة عام 1967.

* باحث في الدراسات الاستراتيجية الدولية