تحكي صفحات التاريخ أن جزيرة البحرين كان تعتمد في اقتصادها على ثروة رئيسية تكمن في أعماق البحر إنها ثروة الكور الصغيرة البيضاء «اللؤلؤ»، وقد استطاع من يستطيع أن يستخرج اللؤلؤ أن يحول هذه الثروة الطبيعية إلى صناعة حيث يستخرج اللؤلؤ ويبيعه في الأسواق العالمية، فنشأت تجارة تدر الثروات على من يتقن هذه الصناعة، وتدعم اقتصاد البحرين حتى شكلت المورد الرئيس لاقتصادها، وكانت تفتح فرص عمل للناس حيث فتحت فرص عمل على متن السفينة ونشأت مهن مثل مهنة الغواص، والسيب، والنهام وغيرها، كما فتحت فرص عمل في مجال التجارة مثل مهنة الطواش، وباعة التجزئة للؤلؤ وغيرها، وعموماً شكل استخراج اللؤلؤ المورد الرئيس لاقتصاد البحرين في يوم ما، وقدصاحب ثروة اللؤلؤ ثروات أخرى، فالمياه العذبة تتفجر من قاع البحر كما تتفجر من يابستها، وزخرت اليابسة بمليون نخلة.

ولكن بين ليلة وضحاها انقلبت الموازين وحدث ما لم يكن في الحسبان، فلم يبخل البحر بلؤلؤه على أهل هذه الجزيرة وظل يجود عليهم بتلك الكور البيضاء التي تثري اقتصادهم، ولكن قلت مبيعات تجار اللؤلؤ حتى كسدت تجارتهم، فقد ظهر منافس في السوق لمبيعاتهم وهو اللؤلؤ الصناعي والذي ابتكره شباب أقصى الشرق، وبالتالي لم يكن هناك حاجة لصناعة استخراج اللؤلؤ، فما سيستخرج من قاع البحر سيكسد، فانقلب الحال ومرت الجزيرة بأزمة اقتصادية وتحول أغنياؤها إلى فقراء، وخسروا تجارتهم، وظن الناس حينها ألا مناص من الفقر، وقد تزامن مع تلك الفترة أن عجت الأرض بالحروب فأثر ذلك على اقتصادها، فتعلم أهل البحرين درساً قاسياً وهو أنه من المخاطر الاعتماد على مورد اقتصادي واحد ويجب تنويع مصادر الدخل.

إلا أنه حدث ما لم يكن في الحسبان فقد فجر الله من تحت أرجل سكان البحرين ثروة جديدة وهي ثروة السائل الأسود، الذي تفجر من يابسة الجزيرة، ومن أعماق بحرها، فبعد أن حرم الناس من نعمة تكمن في أعماق البحر مدهم الله بنعمة تكمن في أعماق البر والبحر، ولكأنها جزاء على شكرهم وصبرهم وتراحمهم وترابطهم وحسن خلقهم. فتحول حالهم من حال إلى حال، تحول فقرهم إلى غنى، وضنك العيش إلى رخاء، فانتعش اقتصاد البحرين ووضعت على خارطة العالم، فعمر الناس جزيرتهم وشيدوا فيها المباني وبنيت على أساس التنمية المستدامة، وبالطبع لا ننكر أنها خسرت باقي ثرواتها من مياه عذبة، ولم تعد تحتضن المليون نخلة فخسرت لقب يحبه أهلها وهي «أم المليون نخلة».

فإذا بالتاريخ يعيد نفسه فظلت الأرض تجود عليهم بالسائل الأسود «النفط»، إلا أن تجارته قد كسدت ولم يعد هو المصدر الرئيس لاقتصادهم، وبدأ ضيق العيش يطرق الأبواب، وبدأ الناس يتسألون، ماذا بعد اللؤلؤ والنفط؟ فهل سيغيث الله الناس بثروة جديدة، وكأن الله قد حبا تلك الجزيرة الصغيرة برعايته وحفظه. ما أشبه اليوم بالباحة حتى المرحلة التي مرت بها هذه الجزيرة بالأزمة الاقتصادية تزامنت في مرحلة حروب تعم المنطقة وأزمات اقتصادية تلف العالم. ولكن تعود أهل هذه الجزيرة أن الله دائما يرعاهم بكرمه ورحمته، ولكن «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فقد قالها الله في محكم كتابه العزيز، وشكلت قاعدة في نمو المجتمعات، فقد أغاث الله هذه الجزيرة عندما كان أهلها مترابطين متراحمين يجتمعون على المحبة فحافظوا على أمن وطنهم واستقرارهم، فالثروات لا يستفاد منها بل أن الناس لا يدركون وجودها بين أياديهم إن انشغلوا بالتناحر والخلافات، والاقتصاد لا يزدهر ولا يينع إلا في أرض آمنة مستقره.

ومن حسن حظ أهل البحرين أنهم صنعوا لأنفسهم ثروة يستعينون بها عندما تدور الدائرة ويعيد التاريخ نفسه وتخسر الجزيرة ثروتها الطبيعية الرئيسية، إنها الثروة البشرية فقد حرصت الدولة في سنوات الرخاء على بناء الإنسان وتعليم شعبها وتنمية قدرات شبابها ليأتي اليوم الذي يستطيع فيه شباب البحرين أن يبنوا اقتصاد وطنهم كما بنى شباب بعض دول أقصى الشرق اقتصادهم، ولنا في تجربة ماليزيا وسنغافورة مثال يحتذى به حيث حولوا دولهم من دول ضعيفة الموارد ذات اقتصاد محدود إلى دول ذات اقتصاد قوي. وكان المفتاح السحري الذي ساعدهم على النجاح وتحقيق هدفهم هو نبذ الخلافات السياسية والدينية والعرقية وتماسكوا معا يدا واحدة لتحقيق هدفهم وبناء مستقبل أوطانهم التي هي وطن أبناء المستقبل، فلننجو باقتصاد وطننا بالتلاحم والترابط والتآزر ونبذ الخلافات ولنصنع أرضاً خصبة ينمو فيها الاقتصاد ودامت أرض البحرين وطننا لنا آمنة.