تمهيد:

أولاً: أشد على يد سمو الشيخ ناصر بن حمد لتدخله الحاسم لوقف الفوضى غير الخلاقة في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية، وكذلك نثني على ما جاء في بيانه أن رموز القيادة خط أحمر لا يمكن المساس بها أو استغلال اسمها.

ثانياً: المشكلة لها تعقيداتها التي نود أن ننبه لها على أمل ألا يحسب المقال على أي جهة بل نحن نتحدث عن أمن البحرين وسلامتها بعيداً عن أي من الأطراف.

ثالثاً: لهذا السبب اخترت أن أعرض تجربتي الخاصة كمدخل لهذه القضية

المقال:

في رواية متداولة لا ندري مدى صحتها إنما تم استخدام العبارة التي جاءت في حدثها كمثل أومصطلح يستخدم له دلالاته.

يقال إن خالد الإسلامبولي حين قفز واتجه للمنصة قاصداً قتل الرئيس أنور السادات رحمة الله عليه، حدث هرج ومرج في المنصة وتدافع الناس بعضهم فوق بعض وحين استقر الإسلامبولي أمام المنصة ووجه بندقيته باحثاً عن السادات لقتله وجد أمامه وزير الدفاع المصري حين ذاك «أبو غزالة» فأشار له بالتنحي جانباً وقال له العبارة التي لها دلالاتها (أنا مش عايزك أنت أنا عايز الكلب اللي وراك) قاصداً السادات وفعلاً تم توجيه السلاح للسادات وقتله.

لا شأن لنا بالقاتل الإسلامبولي الذي كان من بواكير داعش، و رحم الله السادات وهو (محشوم) عن هذا الوصف، ونعتذر للأخوة في مصر عن توصيف الإسلامبولي له، إنما أردت أن أستخدم العبارة للتدليل على أنك إن أردت أن تصيب «الهدف» فلا تنشغل بغيره.

فإن أردنا معالجة مشكلة البلبة التي تثار في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الحسابات التي تعرض نفسها للإيجار لمن يدفع، علينا أولاً أن نتوجه لمن يؤجرها!!

حين شنت الحملة الأولى الممنهجة والمدفوعة الثمن في وسائل التواصل الاجتماعي ضدي في رمضان قبل الماضي، والتي بدأها حساب أحد المقبوض عليهم الآن ضمن المتهمين والمعروضة صورهم بالأمس، لم أرفع دعوى قضائية ضده، لسبب بسيط أنني لا أريده هو ولا يعنيني هو لأنه مجرد أداة، بل أريد من استخدمه أريد من يقف خلفه و يموله أريد (...) على رأي الإسلامبولي.

وهنا تكمن قضية وسائل التواصل الاجتماعي التي يتحدث عنها الجميع اليوم والتي شنت حملة ممنهجة ضدي ومدفوعة الثمن من جديد في يناير وهذه المرة أيضاً لم أرفع قضية على أحد ولم أعلق ولم أتكلم، حتى حين حذرني صاحب أحد الحسابات وهم يعرفون بعضهم بعضاً، بأن (الشباب) سيبدوؤن حملة ضدك من الغد الأربعاء 17 يناير بعد عرض برنامج على مسؤوليتي فأجبته (خلهم يترزقون) لعلمي من وكم يدفع لهم، وفوضت أمري لله في المرتين، لأن لا أحد سيتحرك للجم الممولين، أما الحسابات التي تؤجر فلا تهمني، ولأنني سبق وأن حذرت الجميع بأن الأمر لا يتعلق بي بل يتعلق بخطر قادم إن لم يعالج من الآن فإنه سيستفحل، وترك الممولين دون إيقافهم يعد عبثاً بسوق سلاح خطير واستهانة بذلك العبث.

القصة إذاً ليست في هذه المجموعة القصة في من يدفع لها ومن يعطيهم الشرعية، القصة هي أن (الذباب) الإلكتروني وإن كان سوقاً للتأجير والشراء دون ضوابط، إلا أنه سيكون سوقاً بائراً إن لم يكن هناك مشترٍ فالبضائع المعروضة ليست بضائع وطنية كتشجيع العمل الوطني وليست للدفاع عن الوطن، البضائع المعروضة هي (افتراءات وسب وقذف وتشويه واغتيال اجتماعي وتشكيك في نزاهة وهتك أعراض والنيل من الشرف) بضائع محرمة وفق جميع الأديان، وذلك سوق بائر مالم يكن هناك مشترٍ، فما بالحين يدخل السوق اسم لامع (كشراي) فإن ذلك يقوي هذا السوق المحرم شرعاً وقانوناً وعرفاً، ويعطيه الشرعية التي ينتظرها هؤلاء، وهذا ما حدث، فإن دخلها وزير أو وزير سابق أو شيخ أو مسؤول أو سيدة معروفة، فإن ذلك يثبت وجود هذا السوق ويشرعنه ويعطيه المساحة وحرية الحركة التي يريدها.

استئجار الحسابات لهتك أعراض الناس كاستئجار السلاح من أجل القتل وقد فتح هؤلاء الذين تم نشر صورهم وغيرهم سوقاً لهذا السلاح وعرضوا القطعة منه أي (الحسابات) التي يمتلكها الواحد منهم للإيجار، ومثلما دخل في هذا السوق مسؤولون محليون لضرب بعضهم البعض دخل فيها أيضاً عملاء إيران وقطر وسيدخلها غيرهم، يدفعون الإيجار ويزودون الحسابات بما يشاؤون من المحتوى حتى انتعشت تجارتهم ففتحوا لهم فروعاً خارج البحرين كي يهربوا من المساءلة، وتصاعد الأمر سريعاً إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فبعد أن تم هتك أعراض الناس بمبلغ يتراوح من مئات إلى آلاف وفقاً للرأس المطلوب، تعدى الأمر إلى استخدامهم لتأجيج الخلافات الأسرية وإلى بيت الحكم، حتى اضطر سمو الشيخ ناصر بن حمد إلى التدخل لأن الأمر تجاوز الخطوط الحمراء و أصبح خطراً على الأمن الوطني.

سكت المجتمع على هؤلاء، بل أحياناً انساق وراءهم دون أن ينتبه وهذا أكبر ناقوس خطر كان يجب أن ينبه المسؤولون إلى أن احتمال تجييش الناس من خلال هذه الحسابات مسألة سهلة ورخيصة الثمن، وسكتت الأجهزة الرسمية على هؤلاء، حتى تم استخدامهم لتسقيط الرموز واغتيالهم اجتماعياً، وتم استخدامهم للعبث في السلم الأهلي، وتم استخدامهم لتأجيج خلافات خطيرة.

فإن أردنا علاج المشكلة من جذورها فإن حديثاً صريحاً مع جميع من استخدمهم لابد أن يحدث، لأن ذلك يعد عبثاً بأمن الوطن وسلمه الأهلي، و مثلما تجرم جريمة الرشوة بالحكم على الراشي والمرتشي لابد من تجريم المؤجر والمستأجر في جريمة استئجار الحسابات للسب والقذف، لا أن يجرم طرف واحد فقط.

كتبت هذا المقال بعد طول صمت لأنه لا يهمني من أساء إلي، فلي رب فوضته أمري منذ المرة الأولى وقد أفاض علي بكرمه وحقق مقولة (يمهل ولا يهمل)، إنما يهمني وطني بالدرجة الأولى وسلامته وإماطة الأذى عنه، يهمني أن يتساوى تجريم من يقف وراءهم ويدفع لهم أكثر منهم، فهم الهدف الذي نسعى لتقويضه ولجم شرره ومنع تكرار جرائمه.

اللهم قد بلغت أول مرة وهاأنذا أبلغ ثاني مرة اللهم فاشهد.