يوسف ألبي

على مدى تاريخ الكرة الأوروبية العريقة، هناك حقبة تتألق فيها أندية تابعة لدولة معينة، يكون دوريها في تلك الفترة هو الأقوى في القارة العجوز، وتستقطب أبرز اللاعبين في العالم، لتسيطر من خلالها أنديتها على نسبة كبيرة من البطولات الأوروبية والقارية في فترة ذروتها وبروزها، لتكتب تاريخاً كبيراً مرصعاً بالذهب ومدوناً في السجلات الكروية، ولا يمكن لأحد أن يمحوه.

وفي فترة السبعينات من القرن الماضي، كانت الأندية الهولندية والألمانية هي الأكثر قوة وكمالاً، فقد تألقوا بشكل لافت في تلك الفترة، حيث حققت الأندية الهولندية مع أجاكس العريق وفينورد وإيندهوفن، عشر بطولات أوروبية وقارية منها أربع سنوات متتالية لأبطال أوروبا، والأندية الألمانية خصوصاً مع كبيرهم بايرن ميويخ ومن بعده هامبورغ وبوروسيا مونشنغلادباخ وآينتراخت فرانكفورت، حققوا نجاحات باهرة في تلك الفترة.



ومع نهاية السبعينات إلى منتصف الثمانينات كانت فترة سطوة الإنجليز، حيث خلال ثمان سنوات فقط، حققوا سبعة ألقاب للأبطال مع ثلاثة أندية مختلفة وهم ليفربول نوتينغهام فورست وأستون فيلا، بالإضافة إلى غيرها من الألقاب الأوروبية والقارية أيضاً، مع العلم أن الأندية الإنجليزية وبعد كارثة ملعب هيسل في بلجيكا بنهائي أبطال أوروبا عام 1985، تم حرمانهم وفي عز عطائهم من المشاركة في جميع البطولات الأوروبية لمدة ست سنوات، وسنة إضافية لليفربول، ولو لم يحدث ذلك، كان من الممكن أن يزيدوا غلتهم من البطولات.

وخلال الفترة ما بين نهاية الثمانينات إلى مطلع الألفية كانت الفترة الأزهى لأندية إيطاليا، فقد حققوا خلال خمسة عشر عاماً أكثر من عشرين بطولة أوروبية مع سبعة أندية مختلفة، وخمس بطولات قارية، لتكون تلك الفترة هي الأفضل في تاريخها.

في العقد الأخير يمكن أن نطلق على الأندية الإسبانية المقولة الشهيرة "أكلت الأخضر واليابس"، فقد هيمنت على أغلب البطولات الأوروبية والقارية، لتكتب فصلاً رائعاً من فصول نجاحها الكروي في الفترة الأخيرة، حيث في بطولة كأس ذات الأذنين، الجميع يعلم أن تاريخ إسبانيا في هذه البطولة متمثلة بزعيميها ريال مدريد وبرشلونة، نجحوا في تحقيق ست بطولات مناصفة بينهما في السنوات التسع الأخيرة، كما حققوا ثلاث بطولات أيضاً في كأس السوبر الأوروبي، ومثلهما في كأس أندية العالم، ليجعلوا جميع الأندية ومشجعيها يشاهدون خلف التلفاز، وهم يحققون ويحتفلون بالبطولة تلو الأخرى.

أما في بطولة الدوري الأوروبي، البطولة الثانية من حيث الأهمية في القارة العجوز، ظفر أتلتيكو مدريد بلقبها مرتين في 2010 و2012، كما حقق رفقاء المدرب الأرجنتيني البارع سيميوني في نفس الأعوام لقب السوبر الأوروبي، في المقابل نجح نادي إشبيلية في تحقيق لقب اليوروبا ليغ ثلاث مرات متتالية أعوام 2014 و2015 و2016، لينفرد النادي الأندلسي بالرقم القياسي كأكثر الأندية تتويجاً بالبطولة بخمس مرات.

لا شك أن هناك أسباباً كثيرة لفوز الكرة الإسبانية بالعديد من البطولات سواء على مستوى المنتخبات أو الأندية، مثل وجود أكاديميات ومدارس بأعلى المستويات، والتي لها الفضل في تحقيق الماتدور لقبي اليورو عامي 2008 و2012 ولقب المونديال عام 2010، ومن أهم تلك المدارس "لاماسيا" التابعة للعملاق الكتلوني، التي أنجبت تشافي وبويول وانيستا وبوسكيتس وبيكيه، وأكاديمية "الكاستايا" المنتمية لنادي القرن ريال مدريد، التي أنتجت الحارس الأسطوري كاسياس وكارفخال وفاسكيز وماركوس ألونسو وماتا وموراتا، وغيرها من المدارس الإسبانية البارزة، مثل مدرسة أتلتيكو مدريد والباسك وإشبيلية، كما شاهدنا كثرة وجود مدربين إسبانيين ذوي فكر وتكتيك يواكب المستجدات الكروية الحديثة، فقد ساهموا بشكل كبير في تطور وتألق اللاعب الإسباني داخل المستطيل الأخضر، وعلى رأس هؤلاء المدربين الفيلسوف بيب غوارديولا، الذي طبق التيكي تاكا بحذافيرها، والذي حقق السداسية الشهيرة، فضلاً عن الراحل لويس أراغونيس بطل يورو 2008 والمخضرم ديل بوسكي الفائز بلقبي كأس العالم وأوروبا عامي 2010 و2012 واوناي أيمري الذي حقق لقب الدوري الأوروبي ثلاث مرات متتالية والمحنك رافاييل بينيتيز والمدرب الحالي للماتدور المجتهد جولين لوبيتيجي وغيرهم من المدربين، بالإضافة لعقلية إدارات الأندية الإسبانية الناجحة والمتميزة، التي تعمل بمهنية واحترافية كبيرة، وغيرها من العوامل التي أدت إلى النجاح الكبير للكرة الإسبانية في السنوات القليلة الماضية.

وتأمل أندية إسبانيا في مواصلة السيطرة على البطولات الأوروبية، حيث تأهل كل من برشلونة وريال مدريد للدور ربع النهائي من دوري أبطال أوروبا، وهناك احتمالية كبيرة لتحقيق أحداهما لقب البطولة، ليكون الموسم الخامس على التوالي التي يظفر باللقب نادٍ إسباني، فيما على الجبهة الأخرى يحاول أتلتيكو مدريد الممثل الوحيد للكرة الإسبانية في الدوري الأوروبي والمرشح الأبرز لنيل اللقب، مواصلة مشواره في البطولة وتحقيق لقبها في نهاية المطاف، كما يحلم الماتدور بتحقيق لقب المونديال في روسيا الصيف، ليكون خير ختام للكرة الإسبانية لهذا العام.