عندما اكتشف النفط عام 1932 في البحرين كنا أول دولة خليجية يكتشف فيها هذا الكنز، وقبل البترول كانت البحرين الدولة الأكثر غنى في المنطقة، والأكثر تنظيماً إدارياً، والأكثر حركة تجارية، كانت شوارعنا من ذهب كما قال أهل الخليج، كانت لنا الريادة في كل شيء ومع ذلك... ومع ذلك لم نتكبر، ولم نتبطر، ولم نسرف، ولم نوظف خيراتنا إلا للخير، ولم نستأثر بالنعمة، وقديماً قالوا الحب على بذره.

نحن أبناء وأحفاد ذلك الشعب الذي زادت نعمه من فضل رب العالمين، لكنها لم تؤثر على أخلاقه وطبائعه.

منذ الأصل شعب هذه الأرض هو الأكثر تواضعاً والأكثر حلماً والأكثر لطفاً مع الجميع، هذه ليست شهادتنا في أنفسنا، بل هذا ما قاله الغريب عنا وما عرف به أهل البحرين.

لم تستخدم البحرين المال الذي جاءنا من النفط في الإضرار بأحد، ولم تتدخل في شؤون أحد، ولم تقم إلا بما هو خير للجميع، فتحنا مدارسنا ومستشفياتنا ومصانعنا للجميع، تعلم في البحرين العديد من وجهاء أهل الكويت والإمارات وقطر والسعودية وعمان، تعالجوا في مشافينا، وعملوا في (الجبل) معنا في استخراج وتكرير النفط، وجميعهم ذكروا البحرين بكل خير، وذكروا طيبة وأصل ومعدن أهل البحرين، ومنذ ذلك التاريخ لم نعاير، ولم نمنَّ على أحد، وإلى الآن لا نقول ذلك تفضلاً على أحد، إنما هي فطرتنا، ولا نشعر أننا نقوم بفضل على أحد أبداً.

كل الخليج يعرف أن الحكم في البحرين كان يمنح الشرهات لآل ثاني باعتبارهم يديرون مناطق تحت حكم آل خليفة ومع ذلك لا أحد استخدم من قبل هذه المعلومة من أجل أن يمنّ بها، حتى وجدنا اليوم كماً من الانحطاط الأخلاقي الذي بلغت به الوقاحة أن يغير هذا النظام القطري التاريخ والوقائع ولا يتورع أن يزيف الوثائق!!

لا يذكر أهل الخليج البحرين إلا وذكروا الطيب والكرم، ولم تهزنا كل تلك المتغيرات ولا ذلك الجحود منهم، وما زلنا كما كنا نحب الناس كلهم بما فيهم أهلنا في قطر، ونتعايش مع جميع الأعراق والديانات بتسامح قل أن تجد نظيره في المنطقة، وننحو نحو السلم ونعيش باعتدال ونتدين باعتدال ونتعايش مع الناس باعتدال تلك هي أخلاقنا وسنعنا والله لا يغير علينا.

جاء البترول وذهب، ثم عاد، وقد يذهب، ويبقى البحرينيون أطيب الشعوب وأكثرها تأدباً وتواضعاً وحلماً من قبل ومن بعد.

المال لا يصنع الإنسان، ولا يضيف للأخلاق شيئاً، بل المال فتنة سقط فيها الكثيرون من محدثي النعمة الذين ظنوا أن المال هو كل ما في الدنيا، فإن تحدث فإنه لا يتحدث إلا عن المال وإن صرف صرف للتباهي بالمال، لا يحسب حساب أن النعمة زوالة.

كنا أول الشعوب التي تدفع نظير خدمات الدولة، لم نستخدمها مجانا وإن كان بعضها مدعوماً، إلا أننا تعلمنا منذ البداية أن نساهم في بناء دولتنا، البحريني لم يأكل ويمسح يده في الحائط أبداً، بل كان دوماً مساهماً في نتاج بلده.

لهذه الأسباب سيظل البحريني الأكثر تواضعاً وأدباً وكرماً كما هو، لن تغيره النعمة لأنه ليس محدثاً بها، اكتشفنا نفطاً أم لم نكتشف.. الأصيل أصيل.