طالعنا وسائل إعلام مختلفة بأخبار انتصارات جديدة حققها الأسد في الغوطة الشرقية، مع اعتراف خصومه بوجود انقسامات حادة في صفوفهم، ولو ركنّا قليلاً إلى عودة تاريخية للأحداث الثورة السورية، لوجدنا أن الورقة الأقوى والرابحة في يد الأسد تمثلت في اللعب على انقسامات خصومه من كافة الأطراف في الدوائر الثلاث، المجتمع الدولي، والمحيط الإقليمي، فضلاً عن القوى المحلية المناوئة.

لطالما راهن الأسد منذ اشتعال فتيل الثورة في سوريا على تفكك المجموعة الأكبر «الدولية» واللعب على تباينات موقفها من نظامه ومن المعارضة. وسرعان ما لعب الأسد على وتر الإرهاب واتهام المعارضين المسلحين بممارسة الإرهاب في الداخل السوري، ما جعله يتحصل على الدعم من إيران وروسيا على مستويات عسكرية، ثم على المستوى الدبلوماسي إذ تخلت فرنسا في مراحل لاحقة عن المناهضين الذين تعاطت معهم بالدعم في بادئ الثورة. أما المحيط الإقليمي، فقد تمثل بالمجتمع العربي بأكمله وكيف أنه اتخذ موقفاً معادياً لجور وطغيان الأسد تمثل بإلغاء كرسيه في جامعة الدول العربية ومنحه للمعارضة، لكن الأسد استطاع أيضاً تحييد بعض الدول العربية إلى جانبه ودفعها إلى القفز في معسكره.

ومن المعروف أن الدائرة الخليجية كانت موحدة بشأن موقفها من الأسد، بينما كثير من الأخبار التي نشرتها وسائل إعلامية متفرقة كشفت عن التحولات والتباينات التي شهدتها مواقف بعض الدول تجاه الفصائل ونشاطاتها وموقفهم من جهة أخرى من نظام وقوات الأسد. أما الدائرة الأصغر والأكثر عمقاً وتأثيراً، تلك المتعلقة بالداخل السوري، وكيف انقسمت الفصائل المقاتلة داخلها، فضلاً عن أن دخول «داعش» إلى الأراضي السورية قد غيّر موازين اللعبة لتكون لدى الأسد ذريعة جديدة مثلى عنوانها الإرهاب ووجوب مكافحته، ما أسهم في رفع مستوى البطش والتقسيم وإثارة مزيد من الصراعات بين الفصائل السورية كالأكراد والسنة وغيرهم.

* اختلاج النبض:

منذ أمد بعيد ونحن نؤمن بجدوى وفاعلية استراتيجية «فرق تسد».. ولكنّ المستهدفين منها في أغلب الأحيان ينشغلون بصراعاتهم الداخلية المفتعلة من طرف خارجي، دون اكتراث بأن العدو الخارجي هو من أشعل فتيل الانقسام والتفرقة. وفي الحالة السورية يتجلى العدو الأول للثورة بوضوح، فالعدو الفعلي ليس الأسد وإنما الانقسامات التي حدثت في الجبهات المؤثرة الثلاث «الدولية، والإقليمية - العربية، والسورية».