لم تعد الانتفاضة الإيرانية تجاه نظامها القائم كما كانت قوية في انطلاقتها، فكثير من القمع والتقتيل كفلوا للنظام الإيراني عودة كثيرين إلى دائرة الصمت رغم كلفته، غير أن على أقصى شرق بحر الخليج العربي مازال الأحوازيون مستمرين في مواجهة ذلك القمع بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين. بل أن وسائل إعلام عدة كشفت كيف أن التظاهرات الأحوازية التي شهدناها الأسبوع الفائت، ورغم أنها ليست الأولى كما لن تكون الأخيرة، إلاَّ أنها شكلت نقلة نوعية على مستوى حجم وأسلوب الاحتجاجات، إذ ركن المنتفضون إلى الليل يواري وجوههم عن قوات النظام الباطشة لتحاشي اعتقالهم وضمان ديمومة الانتفاضة.

إن متابعة الحركة التحررية الأحوازية عن قرب يقدم مجموعة من مؤشرات التحول في شخصية الأحوازيين وطرق مطالبتهم بحقوقهم في ظل تنامي الخبرة الأحوازية في مواجهة القمع الإيراني والتمرد على نظام استوطن أراضيه واغتصب حقوقه يضاف إلى ذلك تنامي النزعة العربية المكبوتة في نفوس الأحوازيين ووصولهم إلى ذروة الاختناق، ما يدفع بهم نحو المرور من عنق الزجاجة للانعتاق منها عبر مخاض عسير جد عسير في ظل قوة ونفوذ النظام الإيراني وجور حرسه.

يدعو ما يحدث للإكبار بالجرأة المتصاعدة لدى الأحوازيين في مواجهة نظام وحشي لا يتحدث إلاَّ بلغة الاعتقال والتعذيب والاغتيال، الأمر الذي لم يسلم منه حتى الأطفال والنساء. ولكن.. ما الذي كسر حاجز الخوف لدى الأحوازيين؟ باعتقادي، رغم أن الأحوازيين لم يحظوا باهتمام ودعم دولي، ولكن الغضب الأمريكي الراهن بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وتصاعد التوعد الخليجي لإيران كرد على قصف الرياض، حفزاه نحو مزيد من المقاومة، خصوصاً في ظل مغازلة أحوازية سابقة للسعودية والهتاف تشجيعاً للحكومة السعودية مع بداية اندلاع الاحتجاجات في إيران، بما يكشف أن ثمة توقعات أحوازية بحسم الخليجيين للصراع العربي الإيراني. يضاف إلى ذلك الاحتجاجات الشعبية الإيرانية التي أحيت في نفس الأحوازي أملاً كان قد أعد نفسه له لسنوات طوال، فوجد في هذا الوقت فرصته المناسبة للاستمرار في النضال بنفس طويل من منظور أنه المحتل والأحق بهذا الانعتاق إذا ما تحقق.

كما لم يعد للأحوازي ما يخسره في ظل تنامي الاعتقالات والاغتيالات بحقه، وتهجيره من أراضيه إلى الأراضي الإيرانية أو إلى الخارج الإيراني على السواء، إذ رافق ذلك أشكال مريرة من الاضطهاد والتعامل بدونية، ونهب ثرواته ومكتسباته لصالح طهران ودعم الإرهاب الإيراني الخارجي. ومن خلال ملاحظاتي الشخصية بشأن الأحوازيين لمست حجم الكرامة العربية التي تعتمر قلوبهم، وكيف أنهم شعب يأبى الخنوع لهذا الهوان، وكيف قد صاحب ذلك نشأة جيل جديد منهم في الخارج فتعلم واكتسب الكثير من الخبرات والإمكانيات وأصبح قادراً على التعبير عن رأيه والمواجهة.

* اختلاج النبض:

أثبت حراك الأحوازيين لتحرير بلادهم المغتصبة أنه حركة دائمة، وليست ضد تدني مستوى المعيشة أو القمع السياسي كما هي في بقية الشارع الإيراني. الحراك الأحوازي لم يكن يبحث عن الإعلام ولا يخرج في النهار بل يخرج ليلاً ونهاراً طوال أيام السنة لأنها قضية مصير وتحرير بلد.