في حديث دار بيني وبين إحدى المهتمات بتنمية مواهب الشباب، بادرتها بسؤال، ما رأيك أن تعدي قائمة بأسماء الشباب البحرينيين الذين حققوا إنجازات عالمية خلال العشرين عاماً الماضية، فأجابت بكل فخر: الأمر سهل بالنسبة لي!! ناوليني الورقة والقلم وسأكتب أسماءهم جميعاً فأنا أعرفهم جيداً، قلت لها: تمهلي، هل تستطيعين أن تكتبي بجانب كل اسم ما هي إنجازات صاحب الاسم حتى اليوم وهل واصل طريقه في التميز، وكيف استفاد من موهبته التي تميز فيها للإسهام في عملية التنمية وفي الاقتصاد؟ اكتبي يا سيدتي ما هو وضع هذا الموهوب هل استثمرنا موهبته ونميناها ووضعناه في موضع مرموق يليق بكفاءته، أم اكتفينا أن صفقنا لإنجازه ثم حفظناه على صفحات التاريخ؟ أعتقد أنك عزيزي القارئ عرفت ردها فلا داعي أن أحدثك عنه.

وطلب آخر طلبته منها: أن تكتب قائمة المبدعين ولكن عليها أن تصنفها إلى مجالات «الثقافة، الرياضة، الإخترعات، الرياضيات، الاستكشافات»، وغيرها من المجالات، هل تعرفين في أي مجال تتركز إبداعات الشباب البحرينيين؟ أسئلة لابد من الإجابة عليها لننجح في استثمار أهم ثروة على هذه الأرض، إنها الثروة البشرية، فاكتشاف تلك الثروة والاستفادة منها هو أهم ركيزة لتنمية الاقتصاد، قل لي بربك، ما فائدة أن تمتلك ثروات وتعجز عن الاستفادة منها؟! قل لي بربك، ما فائدة أن تملك ثروات وتعجز عن تنميتها فيفنيها الزمن؟!

لعمري أن الثروة الحقيقة لأي بلد هي الثروة البشرية، فإذا وضعنا تدابير ولجان وطنية لاستثمار الموارد الطبيعية فمن الأولى أن نضع تدابير ولجان وطنية لاستثمار مواهب الشباب لنستفيد من طاقات هؤلاء المبدعين في عملية التنمية، فكم من شباب مبدعين حققوا إنجازات متميزة ثم ركنت في ادراج التاريخ وأصبحت ماض نتغنى به، ومن ثم انشغل هؤلاء الشباب بطلب الرزق وتجد الشاب منهم يعمل في مجال بعيدا عن المجال الذي أبدع فيه، ونسينا مقولة «ضع الشخص المناسب في المكان المناسب». وكم من الشباب المبدعين الذين غابوا عن ساحة مجال إبداعهم بعدما حققوا إنجازا كبيرا، فنذكر على سبيل المثال أحد المستكشفين البحريني فرج عبدالوهاب القاسمي أعتقد أن قليلا منا لا زال يذكره، فهو أحد الشباب المغرمين بالمغامرات وركوب المخاطر والاستكشافات، فقد ارتحل من دولة إلى دوله واجتاز الأدغال، واكتشف الجبال وعبر الأنهار بدافع حب الاستكشاف وقد نجح في تحقيق إنجازات هو وفريق الشباب الذين يشاركونه نفس القدرة والموهبة، حيث وصل الأراضي المتجمدة الجنوبية خلال عام 2003 وبلغ قمة إيفرست في جبال الهملايا خلال عام 2006.

في يوم ما وفي مكان ما، كان المستكشف يعتبر ثروة في بلده فهو يوثق جغرافية الأراضي، ويكتشف ثراواتها، ويدل المستثمرين عليها فكم برزت دول وعلت على نظيراتها بفضل جهود المستكشفين فيها الذين غرسوا أعلام دولهم في بقاع لم تطأها أقدام بشر قبلهم، ها هو الرحالة ابن بطوطة يستنهل من علمه أجيال وأجيال، وها هو الرحالة ابن خلدون يوثق تجربته لتكون مرجعاً فريداً متربعاً على عرش العلوم، فابحث عن الرحالة البحريني الشاب فرج القاسمي، هل كتب تجربته وما رصد خلالها من استكشافات وخبرات؟ هل استمر في استكشافاته وإنجازاته؟

نعم هو أول بحريني وعربي يجمع بين مغامرتين هما الأبعد مسافة المتمثلة في القطب المتجمد الجنوبي والأكثر ارتفاعا المتمثلة في قمة إيفرست. نعم هو وفريقه استطاعوا أن يضعوا علم مملكة البحرين ورفعوا صور جلالة الملك فوق أراضي القطب المتجمد الجنوبي وذلك بالتزامن مع احتفالات مملكة البحرين بالعيد الوطني المجيد وعيد الجلوس، المصادف لتاريخ 16 ديسمبر 2003، وذلك في رحلة استغرقت شهرين من انطلاقتها من مملكة البحرين وحتى الوصول إلى أبعد نقطة تمكن الفريق من الوصول إليها في القطب الجنوبي، واستكمل الفريق مشوار مغامراته للوصول إلى أعلى قمة في العالم، إذ نجح في عام 2006 في تسلق القمة في جبال الهملايا عبر النيبال والصين، وتم رفع علم مملكة البحرين في قمة إيفرست مع صور جلالة الملك، واستغرقت الرحلة شهرين للوصول إلى القمة.

ومن أجل توثيق العلاقات وفتح آفاق التعاون العلمي بين مملكة البحرين والمعاهد المتخصصة في أبحاث القطب الجنوبي، فقد قام الفريق أثناء مغامرته في الأراضي القطبية الجنوبية بتوقيع اتفاقيات تعاون ثنائية مع كل من القاعدة العلمية البريطانية وقاعدة الأمل الأرجنتينية، كما أن الفريق حظي بتكريم من قبل القاعدة الصينية في منطقة التبت. إنجاز مبهر استحق التصفيق حينها ونال ما نال من الدعم، ولكن!!! ابحث معي عن فرج ورفاقه، أين هو الآن؟ هل واصل رحلاته الاستكشافية؟ هل استثمر تلك الاستكشافات؟ هل تتوقع أن تجده في أروقة مراكز البحوث؟ وابحث كذلك عن باقي أعضاء الفريق، وأكمل البحث عن أمثاله من المبدعين والمتميزين في مجالات مختلفة.

لقد آمنت الدولة بقدرة الشباب على الإبداع والتميز وتحقيق النجاحات المتميزة والفريدة التي تخدم البحرين وقدمت لهم كافة أنواع الدعم وهيأت المناخ المناسب لإبراز قدراتهم، فكم قدمت لهم من دعم معنوي بل وحتى الدعم المادي، ولكن لازالت أمامنا فرصة كبيرة لمزيد من التطوير في مجال استثمار طاقات الشباب الذين حققوا الإنجازات والاستفادة من هذه الإنجازات لتسهم في التنمية الاقتصادية، فرؤية البحرين الاقتصادية 2030 والتي أطلقها صاحب السمو الملكي ولي العهد تؤكد أهمية استثمار الموارد البشرية حيث أكد سموه أن الاستثمار الأهم سيكون دائماً هو المواطن البحريني الذي أثبت في مختلف المحطات قدرته على التميز والعطاء والتجدد، وأن قلب عملية التنمية طاقات الإبداع والابتكار وهي ما شكلت الحاضر الذي يعيشه جيل اليوم وهي التي ستبني مستقبل العالم، لذا فاهتمام الدولة كبير بتشجيع المبدعين من رواد الأعمال مما يأتي كركيزة أساسية في استمرار التقدم والتطوير لمملكتنا الغالية لذا لابد من تكاتف الجميع لدعم المتميزين، فاستثمار الموارد البشرية يحتاج لجهد لا يقل عن الجهود التي تبذل لاستثمار الموارد الأخرى.