قبل عامين، كتبت مقالاً من أربعة أجزاء بعنوان «هندسة السياسة الخارجية البحرينية»، وها أنا اليوم أكتب هذا المقال نتيجةً للتطورات التي شهدتها الدبلوماسية البحرينية والتي تستحق الوقوف عندها والثناء عليها، علماً بأنني لن أتطرق إلى الوضع الراهن في منطقة الخليج.

فمن ضمن تلك التطورات إنشاء بعثات دبلوماسية جديدة في الخارج، والتركيز أكثر على تقوية العلاقات الثنائية مع الدول بعد أن أخذ ملف حقوق الإنسان حيزاً كبيراً من الاهتمام والمتابعة خلال الأعوام الماضية، وتفعيل عددٍ من الأجهزة التابعة لوزارة الخارجية وعلى الأخص المعهد الدبلوماسي وإدارة الشؤون الأفروآسيوية وإدارة شؤون الأمريكتين والباسيفيك، وكذلك تعيين مجموعة من الشباب في مواقع قيادية بالوزارة مع التمسك بأصحاب الخبرات.

إن مجال العلاقات الدولية أشبه بسلة فواكه، فقد تتلذذ بطعم الفاكهة أو لا تستسيغه، وقد تكون الفاكهة سليمة أو فاسدة، هكذا هي العلاقات الدولية، علاقاتٌ متقلبة بطبيعتها تبعاً للظروف، وعليه يجب أن تكون العلاقات التي تربط مملكة البحرين بمعظم الدول مبنية على المصالح المشتركة، وألا يتم التعامل مع تلك الدول بسذاجة. وعلى كل من يمثل بلادنا إشعار ممثلي الدول بأن البحرين دولة ذات سيادة وليست من أقاليم ما وراء البحار.

وقد سررنا كثيراً عندما تلقينا نبأ اكتشاف أكبر حقل للنفط في تاريخ البحرين وكذلك اكتشاف كميات كبيرة من الغاز العميق، مما يعزز مكانة البحرين ويحولها إلى دولة ذات ثقل اقتصادي. ولكي تصبح بلادنا قوة اقتصادية، يجب ألا تكون أذرع الاقتصاد البحريني مغلولةً بإرشادات ومتطلبات بعض المنظمات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD». وأدعو -في هذا الصدد- المسؤولين المعنيين بالمملكة إلى التشاور مع نظرائهم في دول رابطة الآسيان حول كيفية التعامل مع تلك المنظمات خاصةً وأن معظم تلك الدول تضررت من أزمة العملات في عام 1997، وتمكنت بعضها -خاصةً ماليزيا- من تجاوز تلك المحنة وعدم الرضوخ بشكلٍ تام لهذه المنظمات.

وللعلم فإن المسائل ذات الصبغة الاقتصادية غالباً ما تحدد شكل ومسار العلاقات الدولية، لذا كان لزاماً عليَّ أن أتطرق إلى الجانب الاقتصادي ولو بشكلٍ عابر.

والدبلوماسية صنفان: دبلوماسية تقليديةٌ ودبلوماسيةٌ شعبية. وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع بشكلٍ مفصل في الجزء الثاني من هذا المقال.

وللحديث بقية..