ليس سؤالاً عابراً أطرحه هنا، إذ قرأت مؤخراً دراسة لجامعة «ليندبره» السويدية، خلاصتها تفيد بأن العمل مع «الحمقى والأغبياء» في مواقع العمل يمكن لها أن «تقتل»، وأن تزهق حياة الآخرين!

اعتدنا على رؤية عبارات تحذيرية على منتوجات التبغ تفيد بأن «التدخين يقتل، أو يقصر أمد الحياة»، أو عبارات معنية بآداب القيادة تقول مثلاً «السرعة تقتل»، لكن لم يدر بخلدنا يوماً أن نرى لافتة مكتوب عليها «العمل مع الحمقى والأغبياء يقتل»!

هذه الدراسة التي أشرفت عليها الدكتورة «داقمار أندرسون» أثبتت صحة المقولة أعلاه، إذ أخضعت عينة من 500 شخص تعرضوا لسكتات قلبية للمراقبة والاختبار، حيث تم سؤالهم عن سبب تعرضهم لهذه النوبات، فعزا غالبيتهم ذلك لأسباب صحية، دون أن ينتبهوا إلى العناصر النفسية التي هي اليوم -بحسب ما تفيد به الدراسات الطبية- أخطر مسببات الأمراض القاتلة.

تم سؤالهم عن أنماط حياتهم، عن سير يومهم، وكيف يقضونه بين العمل والبيت، ومع من يتعاملون، وما هي المواقف التي تسبب لهم الضيق والعصبية، وتجعلهم في أشد درجات القلق والتوتر.

الإجابات كشفت أن نسبة كبيرة منهم يعانون من أشخاص في مواقع عملهم، وتحديداً أشخاص يعملون بأساليب وطرق غبية ومزعجة، يقومون بارتكاب أخطاء قاتلة، أو لا يعملون بشكل صحيح، وقد يكونون في مواقع حساسة، لكن طريقة عملهم ومستواهم الضعيف سواء أكاديمياً وعلمياً ومهنياً تسبب مشاكل وتقود للوقوع في كوارث، فيضطر أشخاص آخرين للتعامل بأسلوب «حل الأزمات» معهم لينقذوا ما يمكن إنقاذه، وليمنعوا موقع أعمالهم من التضرر.

هذه النوعية التي تعمل مع الأنماط الغبية من البشر، أو الضعفاء في الأداء، هي من تختزن بداخلها كمية كبيرة من الضغط والأعصاب والغضب، تتجمع لتنفجر فجأة، فتكون النتيجة إما انهيارات عصبية، أو سكتات قلبية، وبعضهم نقل بسيارات الإسعاف للمستشفى بعد مروره بتجربة واحتكاك أفقدته أعصابه، حينما تعامل مع مثل هذه النوعيات من البشر.

أحد الخاضعات للدراسة تم أخذها للمستشفى بعد أن قامت مساعدتها في العمل بإتلاف مستندات هامة، ظنا منها بأنها ليست كذلك، دون أن تطلع عليها وتتمعن فيها. وآخر أصابه انهيار عصبي بعد أن ظلت زميلته في العمل تطلبه منه مصحح أخطاء، أو كما نسميه دارجاً «بلانكو»، وذلك لرغبتها تصحيح كلمة في المستند الذي تكتبه على الكمبيوتر، وكانت فكرتها بأن تضع المصحح على شاشة الكمبيوتر!!

بحسب الدكتورة أندرسون فإن مثل هذه النوعيات من البشر لا تسبب لك ذبحات صدرية أو جلطات فقط، بل قد تفرض عليك العمل بشكل مضاعف، خاصة وأن الغالبية يحاولون تصحيح الأخطاء الذين يرتكبها هؤلاء الأغبياء، مثل موظفة أخذت تعمل لأسابيع لإعادة إعداد تقارير لزبون مهم للشركة، وذلك بعد أن قامت مساعدتها بوضع مستنداته المحفوظة في الكمبيوتر في «سلة المهملات» الإلكترونية وأفرغتها، ظانة بأنه يمكن لها استعادتها وقتما تريد.

الدراسة تفيد بأن هذه النوعية من الأشخاص خطرين جداً، على الأعمال نفسها، بحيث يمكنهم أن يهدموا نجاحات عديدة حققتها قطاعات على مدار عقود بسبب أخطاء ساذجة أو بسبب قلة خبرة أو دراية، إضافة لإمكانيتهم «قتل» زملاء لهم أو مسؤولين بشكل بطيء أو غير مباشر، بسبب رفعهم لضغطهم وقهرهم وإحباطهم.

الدراسة السويدية أشارت لهذه الظاهرة وهذه النوعية من البشر، لكنني أفكر هنا بأن القائمين عليها لربما غيروا رأيهم إن زارونا هنا وأخضعوا عينة منتقاة من الموظفين في قطاعاتنا، خاصة الكفاءات وأصحاب القدرات المتفوقة، أخضعوهم لدراسة مشابهة معنية بما يسبب لهم القهر والإحباط ورفع الضغط والسكتات القلبية.

أقول ذلك لأنني أشك بأن المسببين لذلك سيكون ليسوا من فئة الحمقى والأغبياء، إذ لدينا ومن واقع خبرة من يسبب لك ذلك، هم إما الضعفاء إدارياً، الفاسدين إدارياً ومالياً، أو الفئة الأخطر المتمثلة بالحاشية المتحلقة حول المسؤولين، التي منها من ينشر الإشاعات، يحفر الحفر وينصب المكائد، يقطع الطرق أمام الكفاءات، ومن همهم التزلف للمسؤول ومنافقته على حساب الكفاءات.

لدينا، هذه الأصناف هي من تسبب لك الضغط والأعصاب، وإن نجحوا في التأثير على المسؤول صاحب القرار في هذا القطاع أو ذاك، فابشر حينها بالجلطات والسكتات القلبية، إن كنت صاحب إحساس أو ضمير.

عافاكم الله من كل شر.