لم يصعقني خبر الموقف الأمريكي كثيراً بشأن الملف السوري. الملف الذي تضرج بدم سوري أحمر قانٍ، خصوصاً بعدما تابعت تغطية شبكة «سي إن إن» الأمريكية مؤخراً -وإن كانت هذه الشبكة داعمة للحزب الديمقراطي الذي خسر السجال السياسي أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- فالشبكة الإخبارية ذائعة الصيت تقول: يبدو أن الولايات المتحدة تفقد نفوذها هنا، خصوصاً بعد إعلان الرئيس ترامب المفاجئ قبل أيام بأن أمريكا ستخرج من سوريا فور هزيمة «داعش»، ويبدو أن الفائز الأكبر في كل ما يحدث هم الروس.

وخبر آخر تنشره الشبكة ذاتها يقول: روسيا وتركيا وإيران تخطط لمستقبل سوريا.. وأمريكا تفقد نفوذها! ما الذي يحدث بالضبط، الموقف الأمريكي أكان ضبابياً أم واضحاً فإن أمريكا لديها مصالحها في المنطقة -لا شك في ذلك- لكن هي دولة ليست مجاورة لسوريا كما أن الروس لم يكونوا يوماً بالجوار السوري! دولتان بثقل أمريكا وروسيا تتصرفان وفق حسابات تبدأ بمصالحهما ولا تنتهي بحصاد النتائج وحسب بل يتعدى الأمر إلى تأسيس مرحلة ما بعد الويلات والخراب. هما -الروس والأمريكيون- يفكرون في حسابات موزونة، ما الربح وما الخسارة وما المنفعة في كل خطوة يتخذونها. دولتان لديهما من الإمكانات والتسلح والجاهزية ما يصعب على المتكهنين معرفة لماذا تم تبني ذلك الموقف أو التزامه.

الروس لا يريدون أن يخسروا آخر معقل لهم في المياه الإقليمية الدافئة هذا أمر واقع. أمريكا لا تحبذ سيناريوهات العراق وأفغانستان ومن قبلهما فيتنام، أمر جلي أيضاً لكن من سيتسيد المشهد فيما بعد؟

دخول الروس إلى الحلبة السورية داعمين لطرف دون آخر جعل الأزمة تتفاقم بطريقة مذهلة. الأمريكيون ليس لديهم شهية مفتوحة لمزيد من الأزمات في البنتاغون تحديداً. إذن هنالك لاعبون آخرين «الحيزبون» إيران، و«صاحب التكية» تركيا، وكلاهما يدفعان باتجاهات مختلفة تتفق وما يرومان إليه لا إلى ما يتطلع إليه أهل سوريا للأسف!

الأتراك يصفون أكراد سوريا وجزءاً من أكراد العراق ومن لف في فلكهم من أكراد الجنوب التركي بأنهم انفصاليون إرهابيون ويقع القتل والقتال وفقاً لما يراه الأتراك مناسباً لضمان الأمن القومي التركي. دولة مثل تركيا لديها مخاوف وعليها ضغوط وهي تتصرف بين هذا وذاك لتحقيق ما تصبو إليه فهمنا الأمر وسلمناه لله!

أما «الحيزبون»، إيران فهي دولة ليست بالجوار السوري وليس لها قوة ضاربة كروسيا وأمريكا ولا هي بلد بمصاف بلدان حلف «الناتو» لتمتد إلى ما بعد حدود العراق ولتذهب بكل ثقلها وقياداتها قضها وقضيضها لتقاتل هناك؟ تشرف على إدارة مجاميع ميليشيات إرهابية وترسل بالسلاح عبر العراق جواً وبراً وفق ما رصدته الولايات المتحدة الأمريكية وصرحت عنه في أكثر من مناسبة، تتحالف مع حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا بعدما أصدر زعيمهم الخميني فتوى في عام 1980 إبان الحرب العراقية الإيرانية تفيد بأنه حزب علماني كافر وينبغي قتاله والقضاء عليه!!

لماذا تتحالفون مع حزب علماني كافر وينبغي قتاله أيها «الحيزبون»؟ الجواب: لأن إيران لا تستطيع العيش بعيداً عن مشاهد الدم والقتل والدمار! لأن إيران تعتمد على النظرية القائلة «لا تفاؤل بيوم بلا قلاقل»، لأن إيران بسلوكها وطبيعتها تعتمد على مبدأ واضح صريح، «كل من يخالفني أستل بوجهه السيف»! لأن إيران في ظمأ شديد وتفطر على كأس دم أحمر تعده «نخب نصر» ولأن إيران دولة تدبر محاولات الاغتيال وتجيد فن الاعتقال وتسوق روايات الضلال وتحب أشلاء الأطفال وتتوق لرؤية العرب إلى زوال وتشتهي القتل كمريض نفسي يعاني الاعتلال وتحب التدمير والقهر والحروب وتسمي كل هذا مطلباً جماهيرياً إيرانياً تردده بدعاء وابتهال.

وصف ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في 6 مارس 2018، إيران بأنها «نمر من ورق» كان دقيقاً للغاية. فالسلاح الإيراني وكل التسويق الإعلامي له لا يستطيع أن ينكر حقيقة أن كل ترسانة إيران العسكرية لا تقاوم أمام هبة صاروخ أمريكي صنع عام 1970. إيران تتنمر في المنطقة مستخدمة اسم نمر ولكن المادة المصنوع منها هذا النمر هي ورق «Recycled» لم يكن ورقاً من النخب الأول يوماً يحسبه الذي يراه من بعيد نمراً حقيقياً لكن أن له أن يكون هذا؟

سلوك إيران عدواني بامتياز ودعني أورد شيئاً يختلج في صدري كثيراً! عليك أن تعرف أن أي شرارة تستشعرها هنا وهناك فتش في قادحها تجد وراءه إصبعاً إيرانياً بامتياز والشواهد لا حصر لها.

ما هي شواهدك؟ الشواهد تبدأ بالدور الإيراني في العراق وأنفاسها الكريهة في الضاحية الجنوبية بلبنان ودخولها القبيح في سوريا ومشط شعرها النتن في اليمن ومحاولات بث السموم المتكررة في منظومتنا الخليجية، أتريد أكثر؟ إذن اعلم أن ما في الصدر من اختلاجات لا يسعفها ألف مقال إذا تحدثت عن النمر الورقي الذي يغوص رويداً رويداً بالرمال.