* اليمين المتطرف يحرج حكومة ماكرون ويصوت على بعض بنود القانون

* معارضو القانون: "غير مقبول" ويقوض حقوق اللاجئين

باريس - لوركا خيزران



وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية بأغلبية كبيرة على مشروع قانون يشدد قواعد اللجوء بعد مناقشات حامية كشفت عن أول تصدعات داخل حركة الرئيس إيمانويل ماكرون.

واقر النواب الفرنسيون مشروع قانون "اللجوء والهجرة"، وذلك بعد أسبوغ من المعارضة الشديدة له حتى داخل حزب ماكرون.

وبعد 61 ساعة من النقاشات الحادة تم التصويت على مشروع قانون "من اجل هجرة مضبوطة وحق لجوء حقيقي واندماج ناجح" الذي يشدد قواعد اللجوء في قراءة أولي بأغلبية 228 نائبا بينما عارضه 139 نائبا آخرين وامتنع 24 نائبا عن التصويت.

وصوت نواب حزب الجمهوريين "يمين" ونواب اليسار ضد المشروع، وكذلك نواب الجبهة الوطنية "اليمين المتطرف".

وتسبب تصويت زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان على بعض بنود مشروع القانون في حرج كبير للحكومة الفرنسية التي تنتمي لتيار الوسط.

وفي يونيو المقبل ستجرى مناقشات في مجلس الشيوخ. وتبقى الكلمة الأخيرة بشأن مشروع القانون للجمعية الوطنية.

ولأول مرة منذ انتخاب ماكرون في 2017، صوت نائب من حزبه "الجمهورية إلى الأمام" الاشتراكي السابق جان ميشال كليمان ضد مشروع القانون. وإزاء التهديد بفصله من الحزب استبق النائب الأمر وأعلن استقالته من كتلة حزب رئيس البلاد.

كما امتنع 14 نائبا من كتلة حزب الرئيس عن التصويت. ويبقى العدد ضئيلا مقارنة بكتلة الحزب الرئاسي "312 نائبا" في الجمعية الوطنية، لكنه يشكل مؤشرا على "توتر" داخل الأغلبية، بحسب صحيفة "لوفيغارو" اليمينية.

وكتبت الصحيفة "الهجرة تشكل موضوعا لا تتناغم فيه المواقف بالضرورة مع رؤية ماكرون. لكن التوتر داخل الأغلبية يعني وجود ضعف ما".

وسيرفع مشروع القانون لاحقا في يونيو إلى مجلس الشيوخ حيث وعدت الأغلبية اليمينية بـ "تعديله بشكل كبير".

وأشاد وزير الداخلية جيرار كولومب بتبني "نص عادل". وأكد مع افتتاح النقاش قبل أسبوع "الطابع الملح لضرورة التحرك" للحد من "الهجرة المكثفة" و"في الوقت نفسه" ضمان حق اللجوء "المقدس" في فرنسا.

ويهدف مشروع القانون إلى خفض مدة إجراءات طلب اللجوء من 11 شهرا حاليا إلى 6 أشهر بهدف تسريع الاندماج. وبالتوازي يسعى المشروع إلى تسهيل طرد من ترفض طلباتهم.

وكان إيمانويل ماكرون صرح مؤخرا "لا يمكننا تحمل عبء كل بؤس العالم". وشهدت فرنسا اكثر من 100 ألف طلب لجوء في 2017 وهو رقم قياسي ومنحت اللجوء لـ 36 % من طالبيه.

ولا تزال مسألة الهجرة حساسة في البلد الذي كان يضم نحو 6 ملايين مهاجر في 2014. وكانت الهجرة في قلب حملة الانتخابات الرئاسية في 2017 التي شهدت صعود زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الجولة الثانية منها.

وفي حين ندد اليمين واليمين المتطرف بـ "تساهل" "القانون القاصر" وتخوفا من شرعنة أوضاع مهاجرين غير قانونيين، عارض اليساريون بقوة مشروع القانون الذي اعتبروه قانونا "لا إنسانيا"، معترضين خصوصا على مضاعفة مدة الاحتجاز لتبلغ 90 يوما مع إمكانية احتجاز "أطفال خلف الأسلاك الشائكة".

ويمثل مشروع القانون اختبارا لوحدة الجمهورية إلى الأمام، حركة الرئيس ماكرون، خاصة بعد ظهور معارضة داخله للقانون الجديد.

وصوت جان ميشال كليمان، وهو عضو في حركة ماكرون، ضد مشروع القانون وقال إنه سيخالف الأغلبية.

وقال في بيان عقب التصويت "لست واثقا من أننا نرسل إلى مواطني العالم الرسالة العالمية التي كانت دائما رسالتنا".

وصوتت مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف وزملاؤها من الجبهة الوطنية في البرلمان لصالح بعض بنود مشروع القانون مما أثار حرج الحكومة. فيما انتقدت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وأحزاب يسارية مشروع القانون الذي يمثل اختبارا لوحدة حركة ماكرون المنتمي لتيار الوسط.

وكانت "الوطن" حصلت على نصوص المواد المثيرة للجدل التي تضمنها قانون اللجوء والهجرة الجديد أبرزها تقليص مدة دراسة طلب اللجوء إلى 6 أشهر وزيادة مدة الاحتجاز الإداري من 45 يوما إلى 90 يوما وحتى 115 يوما في بعض الحالات، وخفض المدة المحددة للاستئناف أمام المحكمة الإدارية في حال رفض طلب اللجوء.

ويثير مشروع القانون، الذي أعده وزير الداخلية جيرارد كولومب، انتقادات المنظمات الإنسانية ونقابات العمال، التي تعتبر أن الهدف الأساس من القانون الجديد هو تسريع وتيرة ترحيل طالبي.

وبحسب معارضي مشروع القانون فإن أكثر ما يثير المخاوف هو معالجة معظم طلبات اللجوء تحت ما يسمى "الإجراء المستعجل" ما يشكل عائقا أمام الموظفين في المعالجة الدقيقة لملفات طالبي اللجوء، ما قد يؤدي إلى دراسة عدد كبير من الملفات لكن بشكل غير دقيق.

و"الإجراء المستعجل" يحتم البت في طلب اللجوء خلال 15 يوما كحد أقصى، تبدأ من يوم استلام "الأوفبرا" طلب اللجوء، إذ يجب دراسة الملف وتحديد موعد مع طالب اللجوء وإجراء المقابلة والتحقق من المعلومات الواردة في الملف واتخاذ القرار وإعلام المعني به.

وعادة ما يتم الأخذ بهذا الإجراء لطالبي اللجوء المشتبه في أنهم قدموا شهادات زور، أو وثائق مزورة، أو لطالبي اللجوء من البلدان التي تعتبرها فرنسا "آمنة".

ويرى معارضو القانون أنه "غير مقبول" وأنه "يقوض حقوق اللاجئين"، وأنه يسعى إلى تقليص الوقت اللازم للبت في طلبات اللجوء، دون إعطاء الوسائل والإمكانيات اللازمة للإدارات المعنية بشؤون اللاجئين "المحافظة، أوفبرا، المحكمة".

ورغم تدني عدد اللاجئين المقبولة طلباتهم في فرنسا مقارنة بدول جارة في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا، إلا أن ملف الهجرة مازال هاجسا يؤرق باريس التي كشفت شهر يوليو الماضي عن خطوط عريضة لخطة حكومية إزاء التعامل مع العدد المتنامي للمهاجرين وطالبي اللجوء.

ورأى الفرع الفرنسي لمنظمة العفو الدولية أن القانون "خطير" وندد ب"الفرص المهدورة (..) لإنهاء احتجاز أطفال أو ضمان حماية كريمة" للاجئين.

كما أبدت المنظمة عدم ارتياحها لتخفيف "جنحة التضامن" التي تعاقب من يساعدون مهاجرين غير شرعيين.

وبموجب القانون الذي يلقى معارضة شديدة، يعاقب كل مواطن يساعد مهاجرين بحاجة لإغاثة. إلا أنه نص على "استثناءات" خصوصا حين يتعلق الأمر بتقديم علاج أو إيواء أو تغذية.

بيد أن سيسيل كورديو رئيسة فرع العفو الدولية بفرنسا اعتبرت أن "اللائحة الجديدة للحصانات والشروط المطلوبة لعدم التعرض للملاحقة تترك السيف ذاته مسلطا على رؤوس الناشطين والمواطنين والمنظمات التي تعمل على احترام حقوق البشر".

من جهتها اعتبرت جمعية مساعدة المهاجرين سيماد "انه رغم بعض الإيجابيات النادرة (...) يبقى هذا القانون مركزا أساسا على القمع وعلى التضييق على حقوق الأشخاص الأجانب".

من جانبه اعتبر بيار هنري المسؤول في جمعية فرنسا أرض لجوء "أن النص يبقى غير متوازن رغم بعض التحسينات" مضيفا أن القانون "لا يحل أزمة الأدوات الأوروبية" خصوصا بشأن "نظام دبلن وغياب سياسة أوروبية متناغمة" في هذا المجال.

وفرض موضوع المراقبة على الحدود نفسه على نقاشات الجمعية الوطنية بعد عملية دعائية لمجموعة يمينية متطرفة صغيرة تدعى "جيل الهوية" نهاية الأسبوع في نقطة عبور مهاجرين بمنطقة الألب على الحدود الفرنسية الإيطالية.

وتبع هذا التحرك تحرك مضاد لناشطين مؤيدين للهجرة فرنسيين وإيطاليين عبروا الحدود مع 30 مهاجرا.

ورد وزير الداخلية الفرنسي بإرسال تعزيزات "كبيرة" من قوات الأمن إلى المنطقة الحدودية.