تقرير الخارجية الأمريكية السنوي المعني بحقوق الإنسان، رغم التحفظات العديدة عليه من قبل دول كثيرة ترفض أن تنصب الولايات المتحدة نفسها «قاضية للعالم»، تمنح صك احترام حقوق الإنسان والحريات لهذا وتمنعه عن ذاك، هذا التقرير سبب لإيران على وجه التحديد «شيزوفرينيا» مضحكة، أو «فصاماً» في الشخصية كما يعرف.

في الوقت الذي قالت فيه الولايات المتحدة إن النظام الإيراني يأتي على رأس قائمة الدول التي تشهد تراجعات في حقوق الإنسان والحريات، وأنه -أي نظام خامنئي- لا يمكن وصفه إلا بالنظام القمعي والدموي والديكتاتوري، تأتي إيران في لحظة لترد على الخارجية الأمريكية وتعتبر نظام البيت الأبيض هو النظام المنتهك لحقوق الإنسان، لكن في لحظة أخرى، تأتي وسائل الإعلام الإيرانية ومسؤولو نظام خامنئي ليرموا بكل ثقلهم خلف التقرير فيما يتعلق تحديداً بالبحرين وبعض دول الخليج العربي وبعض الدول العربية.

المفارقة الغريبة أن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قال صراحة إن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر تقرير أمريكا حول حقوق الإنسان لاسيما فيما يتعلق بإيران، تقريراً مغرضاً تماماً، والهدف منه تحقيق غايات سياسية كما إنه يصور واقعاً مزيفاً وغير حقيقي».

كلام قاسمي واضح تماماً، وضعوا خطاً أحمر تحت توصيف «تقرير مغرض تماماً»، أي أن إيران كنظام «لا تعترف» بهذا التقرير، ولا تحسب له أي حساب، وأنه يصور «واقعاً مزيفاً غير حقيقي»، أي ما معناه أن التقرير ليس منصفاً ولا حيادياً ولا صادقاً.

إن كنا نسلم بكلام جارة الشمال إيران، الجارة السيئة المعادية في جيرتها لنا، وسنقول إن هذا التقرير «مغرض»، يكون الاستغراب هنا بشأن الكيفية التي قام بها مسؤولون إيرانيون ووسائل إعلام إيرانية والأبواق المحسوبة على نظام خامنئي، قاموا باستخدام هذا التقرير لنشر تصريحات ومواد إعلامية عديدة كلها تستهدف البحرين، وتحاول النيل من التحولات الديمقراطية العديدة فيها والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان والقوانين الحامية لها؟!

إن كانت إيران تقول بأن التقرير الأمريكي «مغرض وكاذب وزائف وبعيد عن الحقيقة»، فلماذا إذا هي تستخدمه ضد البحرين، وضد الكويت، وضد السعودية ودول المنطقة؟!

المسؤولون الإيرانيون وإعلامهم، عودونا منذ زمن بأن البحرين تشكل لهم «عقدة أزلية»، بل إن حالات «الانفصام الغريبة» تبرز بقوة بسبب الاستماتة في استهدافهم للبحرين، بحيث توقعهم في أخطاء ساذجة، يتضح من خلالها حجم المخطط المعادي الذي يستهدفون به بلادنا. ينتقدون تقريراً بسبب أنه أثبت كونهم -كنظام إيران- على رأس الأنظمة الديكتاتورية القمعية، لكنهم يهللون له ويستخدمونه لاستهداف البحرين وغيرها من الدول العربية؟! أليس «انفصاماً» يبعث على السخرية هنا؟!

حالهم كحال بعض المسؤولين في نظام خامنئي حينما يستميتون في إبعاد التهمة المثبتة عليهم، بأنهم كنظام يستهدفون البحرين، ويجندون الخونة فيها، ويمدونهم بالمال والسلاح ويوفرون لهم التدريب، يحاولون نفي كل ذلك، لكن في لحظة حماس، حينما تقوم البحرين بكشف خلية إيرانية جديدة، أو تقبض على عناصر قيادية تنفذ أجندة إيران، يخرج المسؤولون الإيرانيون ليدافعوا عن عملائهم بشكل فاضح، وليثبتوا عليهم جريمة «التخابر مع عدو خارجي». البحرين ردت على تقرير الخارجية الأمريكية، ولديها من الإثباتات والدلائل ما يدحض الاتهامات التي سيقت ككلام مسرد على عواهنه، لكن هل يمكن لإيران أن تنفي الحقائق التي يعرفها العالم، والتي تتحدث بها المعارضة الإيرانية في المنفى وبالأدلة؟! هل يمكنها نفي المجازر التي أقامها النظام بحق أهل إيران، وخاصة أهل السنة والمعارضة والأحوازيين العرب؟! هل يمكنها نفي ضلوعها الدموي في أعظم مجازر القرن الجديد في سوريا؟!

نريد أن نقول لإيران بأننا نصدقها بشأن ما قالته بحق التقرير الأمريكي، وأنه بالفعل «مغرض»، لكن يا قاسمي ومن معه، بالعقل والمنطق، لا يجوز انتقاد تقرير لأنه مسكم ثم التشدق به واستخدامه لأنه تطرق لدول تحاولون ابتلاعها عبر مخططكم الصفيوني التوسعي!

قليلاً من الذكاء والتعقل بشأن هذه التصريحات المتهورة. الذكاء، هذا الذي ينقصكم، وهو الذي يجعلكم بأنفسكم تفضحون مخططاتكم وعملاءكم وتكشفون أطماعكم، وتثبتون للعالم دائماً بأن البحرين مطمع دائم لكم، وأن هدفكم هو محو كل شيء عربي الهوية.