منذ صغرنا دُرسنا تاريخ البحرين القديم. تاريخ حافل، وتفاصيل السرد الزمني له مشوقة جداً.

بلادنا كانت تعرف بأسماء عديدة مقترنة بحقب الحضارات التي مرت بها، لذلك حينما تقول «أوال» أو «دلمون» أو «تايلوس»، فإنك تعني البحرين التي كان يرمز لها أيضاً في كثير من الحضارات بـ»أرض الخلود»، وكيف أن جلجامش جاءها باحثاً عن «إكسير» الحياة الذي سيجعله خالداً. عرفنا بلادنا بأنها «منجم» غني بالآثار، وتمتلك إرثاً يزيد عطش السياح حينما يتعرفون على بعض ملامحه.

منذ فترة ليس ببعيدة، بان الاهتمام الشديد بإبراز هذا الإرث، بإعادة إحياء التاريخ البحريني العريق، وذلك عبر تقديم كل الآثار والموروثات بصورة ذكية ومتطورة، تخلق نوعاً من الإبهار والإعجاب.

يحسب للقائمين على هيئة الثقافة والآثار برئاسة الشيخة مي آل خليفة هذا التطور الواضح في حماية التاريخ البحريني وآثاره، وكذلك في تقديمه بشكل بديع وجميل، وفي إيصاله للعالم الخارجي، وهو ما ينعكس إيجاباً لدى المجتمع الخارجي ومؤسساته، حتى باتت مواقع بحرينية أثرية عديدة مسجلة في القوائم الدولية.

الأسبوع الماضي زرت قلعة البحرين، هذه القلعة التي كنا نعرفها يوم كنا صغار على أنها «قلعة البرتغال»، إشارة لكونها قلعة بنيت حينما كانت البحرين تحت الاستعمار البرتغالي، لكن عند هذا الحد، أجزم بأن كثيرين لا يعرفون تاريخ القلعة، وكيف بنيت، ومتى، ولماذا، والمراحل التي تطورت فيها.

الآن، وفي قلعة البحرين الأثرية، يمكن للزائر أن يتعرف على كل ذلك، عبر عروض رائعة تقدم على جدران القلعة الأثرية، بتقنية الصوت والضوء، هذه التقنية التي أتذكر أننا تعرفنا عليها قبل أكثر من عقدين، وبنفس الاسم «الصوت والضوء»، وكانت تقام في محافظة الجيزة بجمهورية مصر العربية الشقيقة، وفي موقع الأهرامات الأثرية ونصب أبوالهول.

تدخل لقلعة البحرين وتتجول فيها، وبعدها يمكنك الجلوس في منطقة مخصصة بطابقها الأول لتبدأ الأضواء تسطع على جدران القلعة التاريخية مع تعليق باللغتين العربية والإنجليزية، يحكي بطريقة بسيطة لكنها احترافية تاريخ هذه القلعة العريقة، وارتباطها الأصيل بالبحرين، وما شهدته من صد لمحاولات غزو عبر المراكب البحرية، وكيف تم بناؤها وتعاقبت عليها العقود، وكان الثابت الموجود دائماً وأبداً متمثلاً بالإنسان البحريني.

الأمر الجميل والذي يشكر عليه القائمون على هذا العرض، أنه مصمم بطريقة ذكية يوصل محتواه حتى للصغار والناشئة، وهنا نتحدث عن مسألة هامة جداً، معنية بنقل المعرفة للأجيال القادمة، والأهم أن هذه المعرفة مرتبطة بتاريخهم العريق، وبموروثاتهم، وبأهمية معرفة تاريخ هذه الأرض، والتسلسل الزمني للحضارات التي مرت بها، وكيف أنها برزت بسمعة جميلة كجزيرة لا يخرج منها إلا الخير، ويسافر لها الناس بحثاً عن السعادة.

مميزة أيضاً تلك الإشارة في العرض لارتباط البحرين بالدين الإسلامي، وبيان أن هذه الأرض بحكامها كانت تتعامل دائماً بحسن النوايا والطيبة والحكمة، وكيف أن البحرين دخلت الإسلام بسلاسة مرحبة بدعوة كريمة من نبي كريم.

مثل هذه العروض تفرض عليك الإشادة بها، لأنها تقدم بأسلوب متطور وجميل، وتستهدف جميع الأعمار، وللصغار موقع اهتمام فيها، تعرض بأسلوب يقارب ما يحبذه الأطفال من عروض بالضوء والصوت والصور تعرض في مواقع شهيرة كمدن «ديزني لاند» الترفيهية حول العالم، وغيرها. لكن الأهم بين ذلك كله، أنها ترسخ في الذهن والذاكرة تاريخ البحرين، وتفتح آفاق الجيل الصاعد وتعرفه بأصله وارتباطه، وتبعث فيه نوعاً من الفخر بأن هذا تاريخ بلاده، ناهيكم عن التقديم المميز للبلد لدى السياح والزوار.

مثل هذه الفعاليات الذكية هي ما نحتاج إليه لتنشيط السياحة في البحرين، ولإبراز آثارنا وتاريخنا، ويأتي ذلك في إطار الجهود الواضحة التي يقوم بها البلد لإعادة تشكيل السياحة، مثلما أعلن نائب رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله، عبر مشاريع متعددة في مجال السياحة والذي يتقاطع بالضرورة مع مجالات إبراز الآثار التاريخية وإقامة الفعاليات الثقافية والفنية، لتكون رافداً هاماً وقوياً يدعم عجلة الاقتصاد ويستقطب المزيد من السياح والزوار، ويبعث لدينا مزيداً من الفخر ببلادنا.