نبخس حق أنفسنا عندما نعيش في ظلام دامس، أو ندعي بأننا نعيش سعداء في الوقت الذي نتألم فيه من متاهات الحياة ومنغصاتها، أو نرفض أن نبستم بحجج واهية ومشكلات كثيرة تحوم حولنا لا حصر لها ولا عد.. نبخس حق أنفسنا عندما لا نمنحها الفرصة الكافية لتعيش مبتسمة مسرورة مع من تحب.. أو تتذمر وتسخط من كل شيء.. وتكثر الشكوى وتزرع أشواك الإحباط في طريق كل من حولها.. نظلم أنفسنا عندما نعيش في هذه الأجواء المحمومة المعقدة التي تضعف النفس وتبعدها عن عمق التفكير وروحانية الروح.. أنفسنا ستظل تفكر في التفاهات ما دامت لا تلتفت لأهدافها الحقيقية.. ستظل تدور في حلقة مفرغة ترجو النجاة ولكنها في حقيقة الواقع المر تضمحل حتى لا تكاد ترى من ظلها إلى النذر اليسير!! لست أبالغ عندما أقول أننا قد حكمنا على أنفسنا بالفناء ونحن نستنشق هواء العيش.. حكمنا على أنفسنا أن نبقى مقيدين بأغلال شيطانية مريبة استسلمنا لها لأننا لا نفكر بشيء معناه «والآخرة خير وأبقى»!!

يا ترى ما الذي يمنع أن نستريح قليلاً على قارعة الطريق.. ونمسك بفرشاة ألوان الطيف.. نتفنن في رسم لوحة حياتنا هذه اللحظة.. واللحظات القادمة.. بل الحياة المستقبلية التي تنتظرنا في الغيب.. ليس لأننا نجهل الواقع.. بقدر الحاجة الماسة التي جعلتنا أن نكون تحت ظلال راحة واستقرار افتقدناها منذ أمد طويل.

امسك فرشاتك وارسم ألوان سعادتك.. وسأكون معك في المقدمة أحكي الواقع الذي أعيشه، وأسطر تجارب مرت بي طيلة سنوات مضت.. ليس لأنها مجرد تجارب خاوية من محتوى الجمال.. ولكن لأنها تجارب مفعمة بالحب والسعادة.. وإن كانت بعضهما مؤلمة.. أو كانت النفس غارقة خلالها في أوهام الحياة التافهة.. إلا أنها في حقيقة الأمر دفعت كل للارتماء فيما بعد في أحضان «الحب».. و«السعادة».. و«الأمل».. الذي تعيش في أكنافها من أجل أن تكون في يوم ما ذلك الفارس المجيد لسباقات الحياة.. فهو يعلم كيف يفوز.. ومتى يرتاح.. وما السبيل للوصول بنجاح إلى خط النهاية..؟!

امسك فرشاتك واحذر أن تقع فريسة لذلك الفضاء الخيالي الافتراضي الذي عشقته لسنوات قد خلت وآن الأون أن تتجرد من كل تبعياته، وتفك أغلاله حتى تستطيع أن تحقق مرادك الحقيقي في الحياة..

ارسم ألوان سعادتك كما ينبغي.. عش يومك من أجل المولى الكريم.. ارسم بسمة.. ساعد محتاج وفرج همه.. زر صاحبك وتبادل معه ضحكات غابت عن أنظارك منذ زمن بعيد.. لا تكن سلبياً عقيم الفكر فتفكر في القادم المجهول بتشاؤم.. خذ نصيبك من الدنيا «بسعادة» من خلال تلك القيم الجميلة التي آمنت بها وزرعت أثرها على الطريق.. فكر في وقتك الحالي.. واستمتع بالأجواء المحيطة بك.. وخذ نفسا عميقاً يزيل عنك كل الآلام.. استمتع بسجدة تناجي فيها مولاك وتبث فيها حاجتك.. وترنم بآيات القرآن ففيها من السعادة ما يجعلك تتوثب عطاء في محيط الخير.

لا تنتظر أن تفتح لك أبواب الخير دون أن تبذل الجهد المرجو.. بل كن أول الساعين لفتح كل الأبواب فتفرض وجودك بهمتك وعملك ونشاطك.. فأنت بذلك لم تنتظر السعادة أن تطرق بابك.. بل أسعدت نفسك بعملك.. حتى أضحت أعمالك شاهدة لك بسعادتك.. اغتنم أوقات البهجة والفرح ولا تبكي على اللبن المسكوب وكن نبراس خير في حياة الآخرين حتى تساعدهم على العيش بسكينة واستقرار..

كن سعيداً بلباس الصحة والعافية وبابتسامتك التي لا تغادر محياك وبمحبة الآخرين لك التي لولاها لكنت غارقاً في أوحال الهموم والغموم.. وتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فقد حيزت لها الدنيا بحذافيرها». كن سعيدا بلحظات «الأخوة» الجميلة التي تستمتع بها مع من تحب في أجواء إيمانية جميلة متذكراً قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان.. ومنها: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله». ارتوي من هذه اللحظات الجميلة في كل موقف يجمعك مع من تحب.. مع من كنت معهم بالأمس تشيد علائم الخير في حياة الآخرين.. وأضحت حياتك اليوم.. ميدان خصب للخيرات وإغاثة المنكوبين وسد جوعة المحتاجين.. الصاحب الصدوق هو من يصحبك إلى ساحة جميلة تترنم فيها البلابل بحب أزلي يسكن القلوب.. تتقاسمان فيها فرح الحياة.. وتلونان جدرانها بألوان الأثر الخالد الراسخ الذي لا تزول ملامحه.

صاحب تلك القلوب النقية التي وهبها المولى الكريم «شفافية في القلب» وإحساس جميل تعشقه.. لأنك كلما جلست معهم.. كلما تجاذبت الأرواح.. واندمجت الأحاسيس.. وعشت في جو إيماني جميل.. هي قلوب قلما تجد لها مثيلاً في حياتك تحلو الحياة بها.. تحب الحياة من أجل الآخرة.. تحب أن تعيش سعيدة.. تحب أن تساعد غيرها.. تحب أن يكون غيرها سعيداً حتى تسعد هي الأخرى.. تنظر إلى أقدار الحياة بمنظور «قدر الله وما شاء فعل»، و»لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» و«الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».. تنظر إلى هذه الأقدار بقلب صابر محتسب، وبنفس عاشقة للخير.. هدفها «رضا المولى الكريم».. لذا فترى السعادة تغمر وجهها في كل مناحي الحياة.. فما أروع هذه الصحبة.

* ومضة أمل:

يكفيني حبك يا إلهي حتى أغدو سعيداً.. يكفيني توفيقك ورضاك.. يكفيني أن أفترش الحياة حباً وخيراً حتى أعيش قرير العين مرتاح البال.. يكفيني فخراً ذلك الإحساس الذي تبثه في نفسي كلما عزمت على الخير.. فلا أجد راحة بعدها.. يكفيني أن تكتب لي الخير أينما كان ثم ترضيني به.. اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك.