في الزمن الماضي كان المحمل الشريف -وهو عبارة عن هودج على ظهر بعير تعلوه قبة مخروطية الشكل، ومغطى بأقمشة مزخرفة بالآيات القرآنية- يحتوي على أستار الكعبة أو كسوتها مثلما تعرف اليوم بالإضافة إلى كل الهدايا الثمينة المرسلة للكعبة، والعادة أن المحمل يسير مع قافلة حجاج ويرجع محملاً بالكسوة القديمة - كان هذا المحمل يسير من إسطنبول أو القاهرة أو غيرهما من المدن إلى مكة المكرمة بقيادة أحد القادة وكانوا يلقبونه بأمير الحج، هذا القائد كان يتقاضى من الحكومة العثمانية مبلغاً من المال مقابل هذه الخدمة، فكان بدوره يستأجر مسلحين لحماية القافلة من قطاع الطرق، وذات يوم ذهب أحد النخاسين إلى أمير الحج وقال له لدي عبد يمتلك شجاعة ألف رجل وأقترح أن تشتريه وتستخدمه لحماية المحمل أفضل من استئجار مقاتلين تكون كلفتهم أعلى، وافق أمير الحج واشتراه وسارت قافلة المحمل وفي منتصف الطريق بين الشام والمدينة هجم على القافلة أربعون مسلحاً من قطاع الطرق وباشروا بالنهب والسلب، والعبد يراقب دون حراك، أما أمير الحج فبدأ يتوسل إلى العبد مذكراً إياه بشجاعته غير أن العبد لم يحرك ساكناً، فقط اكتفى بمراقبة قطاع الطرق وهم يسلبون، وبعد أن جمع اللصوص كل الأشياء النفيسة وتحركوا صاح بهم أمير الحج قائلاً: ما أخذتم لكم لكن لدي طلب واحد، أرجوكم أن تبصقوا بوجه هذا العبد وانطلقوا راشدين.

وفعلاً رجعوا ونفذوا ما أراد واحداً تلو الآخر حتى اكتمل عددهم 39 رجلاً والعبد لم يتحرك فإذا ما جاء دور الأخير استكثر أن يبصق مباشرة في وجه ذلك العبد المكلف بحماية القافلة فنزع نعله وبصق عليه ثم ضرب به رأس العبد، وهنا ثارت ثائرة العبد وبدأ يصرخ عليهم ويشتم وهو يقول لهم أتحتقرونني؟ ثم سل سيفه وانقلب عليهم وبعد معركة دارت بينه وبينهم تمكن من استعادة الأمانات التي سلبوها، فوصلوا إلى مكة سالمين، وعندما عادوا إلى إسطنبول مر النخاس على أمير الحج، وسأله عن العبد كيف كان؟ فقال له إنه شجاع لكن من أين آتي بأربعين رجلاً ليبصقوا في وجهه؟!

تذكرت هذه القصة وأنا أتابع سباق الانتخابات البرلمانية في العراق والتي ستشكل على إثرها حكومة جديدة، حيث ترافق أخبار السباق الانتخابي شكاوى العراقيين من النظام القائم منذ خمس عشرة سنة تمكن خلالها من تصفير ميزانية العراق وسلب كل خيراته وإغراقه بالديون، فالكل هناك يعاني من استمرار بقاء نفس الوجوه في السلطة واستمرار سرقاتهم التي لم تعد خافية على أحد في العالم ومع ذلك يعيدون انتخابهم مرة تلو المرة، والسبب أن أغلب أفراد الشعب متخندقون في خندق الحزبية والطائفية، فعجباً وقد زاد عدد السياسيين على أربعة آلاف ولم يلفظهم الشعب بينما لم يتحمل العبد أربعين.