لكم يؤلمنا أن يكون تقسيم سوريا واحداً من أواخر الحلول، فعلّه على أقل تقدير أن يفصل بين الخير والشر، وأن يقيم سداً منيعاً يحول دون تمدد الشر الإيراني لكي لا يصب في نهاية المطاف في البحر المتوسط، ولوقف اكتمال هلال طهران الشيعي الذي سيطوق الجزيرة العربية من الشمال كاملةً.

إن الحديث عن تقسيم سوريا أصبح حديثاً متداولاً في وسائل إعلام عالمية عدة، إذ تناولت وكالة نوفوستي الروسية موضوع قيام دولة في إقليم درعا السوري، وكذلك صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، وقناة الميادين الموالية لإيران والأسد والتي تحدثت عن تخطيط لإنشاء إقليم انفصالي في جنوب سوريا، بدعم أمريكي. وبات يدفع نحو قيام دولة درعا كثير من الاحتمالات والمؤشرات التي فرضت نفسها مؤخراً على الساحة ودندنت على أوتارها مؤسسات إعلامية عدة، ويمكن الوقوف على بعضها المتمثل في الإشارة إلى أن دولة درعا المحتملة ستخوض معاركها بالوكالة عن الخليجيين والغرب ضد إيران كما تزعم «الميادين» وفق النظرة «الأسدية»، أيضاً ترى الوكالة الروسية أن انفصال درعا وقيام دولتها سيكون وسيلة الأمريكان لابتزاز الأموال الخليجية عبر دعوة دول عربية للمشاركة في الحرب ضد الأسد، إلى جانب ما قد نجمع عليه بأن انهيار معنويات الفصائل على خلفية ضياع الغوطة الشرقية، ما يدفع نحو التعجيل بموافقة «مجلس محافظة درعا الحرّة» لقيام دولة درعا.

أمور أخرى أيضاً على المستوى العسكري باتت تتداولها وسائل الإعلام مشيرة إلى أن درعا من أكثر المناطق المتاحة لتواجد الجماعات المسلحة في الجنوب السوري، نظراً لبعدها عن دمشق وإمكانية دعمها من الأردن والسعودية إن لزم الأمر. هذا، إلى جانب أن الجماعات المسلحة في الجنوب قد جهزت قاعدة التنف بـ200 ضابط، تلك القاعدة التي تضم غرفة عمليات مشتركة للجماعات وفرنسا وبريطانيا والأردن، حسب ما أورده القائد العام لقوات التحالف الدولي في سوريا. ويذكر أن الجماعات المسلّحة قد حصلت على راجمات صواريخ وأسلحة ثقيلة، فضلاً عن تمكين حوالي 12 ألف مسلّح كنواة جيش إقليم مستقل عن سوريا عاصمته مدينة درعا.

وبينما يبدو سهلاً قيام دولة درعا والطريق معبد بالورود، هناك ثمة معوقات قد تحول دون تحقق ذلك حسب ما يبدو، وقد يكون لإسرائيل اليد الطولى في إفساد ذلك إذا ما تدخلت وقطعت الطريق على الحراك الانفصالي بذريعة ضرب حزب الله في سوريا، أو ربما من خلال استكمال إسرائيل لمخططها بإنشاء حزام أمني على الحدود المشتركة مع سوريا. الأمر الآخر متعلق بالتمويل، وبينما يتوقع الجميع التمويل من الدول الخليجية «الغنية» في المنطقة، فلعل الخليجيون يرفضون دفع التكاليف أو الزج بقواتهم في حلق الأسد، وقد يكون دعمهم للقضية جزئياً في ظل تدويلها، لاسيما في ظل الأزمات الاقتصادية وتعدد جبهات الصراع التي تورطت فيها دول الخليج العربي. من جهة أخرى فإن الأتراك بالمرصاد لكثير من الحركات الانفصالية في المنطقة خشية أن تثير تلك الحركات نزعة مماثلة في الداخل التركي لا سيما لدى الأكراد وإحياء الأمل بفرص الاستقلال، ما يجعلها تقف ضد انفصال درعا أو قيامها.

* اختلاج النبض:

المستفيدون من قيام دولة درعا هذه المرة خصوم وحلفاء، فالأسد يرنو للتخلص من عبء سوريا غير المفيدة ومن أهل درعا المشاغبين، وأمريكا تريد التواجد هناك، والخليجيون سيتخلصون من الأسد لأن «درعا الجديدة» ستستنزف طاقته وقواته. أما الخاسر الوحيد في هذا التحدي هو عدونا اللدود طهران التي سيحول قيام دولة درعا دون استكمال خطها المرسوم «طهران بغداد دمشق بيروت».