تعرف القوة الناعمة بالقدرة على الحصول على ما يراد عن طريق الجاذبية، بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال، فالقوة الناعمة لتوليد التعاون تختلف عن القوة الصلبة التي تلجأ عادة للأساليب القسرية أو ممارسة سلطة المال، ومن أهم ما تحققه القوة الناعمة الجذب أو الانجذاب إلى القيم المشتركة، والعدالة، والإسهام في تحقيق تلك القيم. ولن أدعي في الرياضة معرفةً، فقد علمت بالصدفة شيئاً وغابت عني فيها أشياء، ولكن مما لفتني في حديث أحدهم لاعب كرة القدم الدولي المصري محمد صلاح الذي لعب في مركز الجناح الأيمن مع نادي ليفربول الإنجليزي ومنتخب مصر لكرة القدم، وحصد العديد من الجوائز أبرزها جائزة الاتحاد الأفريقي لأفضل لاعب في أفريقيا لعام 2017، وجائزة أفضل لاعب أفريقي بواسطة البي بي سي لعام 2017، وأفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لعام 2018، وحقق أرقاماً قياسية عدة في محافل مختلفة.

في وقت مضى ركزنا على الغزو الإعلامي والفني التركي، ومثله الكوري والمكسيكي، وكيف أن القوة الناعمة لتلك الدول قد استخدمت المسلسلات والأفلام قوة ناعمة لها، كما فعلت ذلك دول غربية كثيرة في وقت سابق وما زالت، بل وظهرت هشاشتنا في تلقي الغزو بصدر رحب حتى بدونا ننتظر مسلسلات من الاسكيمو وأدغال أفريقيا. بينما نجد أنفسنا ليس مقصرين وحسب، بل غير قادرين على تقديم إنتاج مماثل. وبينما وجدنا أن الفن مجال صعب لمكافحة اختراقنا به، وكذلك هي المنجزات العلمية والاختراعات التي يؤسفنا تدني نسب حضورنا وإنتاجنا فيها على المستوى العالمي بل وحتى الإقليمي، ها نحن ذا قد برزنا رياضياً، ونبدو جيدين، في المشرق ومغربه، وقد عرفنا العالمية رياضياً -من خلال الألعاب الأولمبية وغيرها- أكثر من المجالات الأخرى العصية علينا، فلننطلق من الرياضة باعتبارها قوة ناعمة قادرة على جذب طاقة السلام ونزع الأحقاد.

فيما تبرع دول عدة في التسويق عن أيقوناتها وتفعل قواها الناعمة، لم نجد حتى اليوم ولو إعلاناً تلفزيونياً عربياً واحداً موجه للعرب بطله محمد صلاح، ولم نستثمر دوره المؤثر على الشباب في الوطن العربي لتخفيف حدة التطرف والعنف الذي بات يضرب العالم ونتهم به كعرب ومسلمين، بل ولم نستثمره في تقديم صورة إيجابية عن العربي المسلم في الخارج رغم أن يشار إلى أن فوبيا الإسلام بدأت تنخفض في الخارج، جراء حب الشبان والشابات الغربيين لمحمد صلاح، للاعب مشهور مسلم، يصلي ويطلق لحيته، بل ويكنى بأبي مكة..!!

* اختلاج النبض:

جل ما نخشاه أن تلتقط الصهيونية محمد صلاح كما التقطت من قبله عمر الشريف بعد فيلم «لورنس العرب»، فيوضع أمام مفترق طرق، أما الانقياد لهم والتقليل من قيمة العرب – الأمر الذي فعله عمر الشريف بانتقاده جمال عبدالناصر، وإما شن حرب تشويه سمعة ضده وتلفيق تهمة تليق بعدم انصياعه لأوامرهم. فهل ستعمل الدول العربية الغنية قبل ضياع الفرصة على دعمه وحفظ كرامته وحمايته؟ فهو سلاح ناعم فاعل إذا ما أحسنا استخدامه، ولو تلفتنا جيداً لوجدنا غيره في مجالات أخرى كثير حان وقت احتوائهم جميعاً.