ماذا فعلت قيادات السنة في لبنان بأبناء طائفتها؟ كيف تسببت الصراعات السياسية بين زعماء الطائفة في تشرذم الكيان السني؟ لماذا تصر تلك الزعامات على إضفاء الشرعية على «حزب الله» - المصنف إرهابياً بحرينياً وخليجياً وعربياً وأمريكياً - ودفع الخصوم دفعاً نحو تشديد القبضة على لبنان، والسماح بدور أكبر لإيران، فيما يبدو الحديث عن جدلية «شرعية سلاح «حزب الله»» في المستقبل مثل من يحرث في البحر؟!

لن يرحم التاريخ الزعامات السنية في لبنان التي أبت أن تتحد، وأصرت على تكريس نفوذ «حزب الله» وحلفائه في الانتخابات النيابية التي جرت الأحد الماضي. وكأن سنة لبنان منذ استشهاد رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في فبراير 2005، لم يستطيعوا أن يجدوا ضالتهم في زعيم سني يلتفون حوله، يملك «كاريزما» المواجهة، فيكون بحق «صقر سنة لبنان»، ضد خصوم الدولة، خاصة «حزب الله»، ذراع إيران في لبنان، وحلفاؤه. وعلى مدار أكثر من عقد لم يستطع سعد الابن، أن يقنع أبناء السنة، أنه خليفة أبيه في «تيار المستقبل» في لبنان، بل أنه لم يتمكن من أن يرث من والده حنكة التعامل مع المواقف السياسية المعقدة والقضايا الشائكة، في بلد متعدد الأديان والطوائف والمذاهب. ويبدو للمراقبين والمحللين تراجع شعبية الحريري تكمن في التنازلات التي قدمها خلال السنوات الماضية لصالح «حزب الله»، في حين كان الأخير، يصر في كل مرة، على أن يخذل «الحريري الابن»، خاصة عند الحديث عن قضية «النأي بالنفس» التي كان يتفق عليها في الغرف المغلقة، وكانت تنقض أمام ميكروفونات الكلمات الجماهيرية والمؤتمرات الصحافية!!

وقد كشفت النتائج الأولية للانتخابات النيابية في لبنان، حجم التخبط الذي يعانيه الشارع السني، في ظل زعامات، سعد الحريري، ونجيب ميقاتي، وأشرف ريفي، وغيرهم، مع فوز الأول والثاني، وهزيمة الثالث، وتراجع آخرون.

ولم تفرز النتائج الرسمية غالبية واضحة في البرلمان، وبالإضافة إلى مجموعة «حزب الله - حركة أمل»، هناك كتل تيار المستقبل «تيار الحريري»، والتيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس ميشال عون، وحزب «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع الذي ضاعف تقريباً عدد مقاعده، بفوزه بـ 15 مقعداً في البرلمان القادم.

وقد أظهرت النتائج شبه الرسمية للاستحقاق النيابي في لبنان فوز الثنائي الشيعي «حزب الله» و«حركة أمل»، مقابل تراجع ملحوظ للحريري الذي خسر نحو ثلث نوابه بحصول «تيار المستقبل» على 21 مقعداً في البرلمان، في تراجع كبير مقارنة بحجمه في المجلس النيابي المنتهية ولايته حيث كان ممثلاً بـ33 نائباً. واذا كان الحريري الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة إلا أن موقفه فيها سيكون ضعيفاً في ظل المكاسب الملحوظة لـ «حزب الله» وحلفائه المؤيدين لطهران.

ومن المتوقع أن يبقي «حزب الله» تحالفه مع «التيار الوطني الحر» ليحصد الغالبية البرلمانية للمرة الأولى منذ 2005، تاريخ خروج الجيش السوري من لبنان، الأمر الذي يضع الحريري وتياره وأهل السنة في لبنان في مأزق حقيقي، خاصة أن «حزب الله» لن يتردد عن مغازلة المستقلين والأحزاب الصغيرة التي حصدت أصواتاً لا بأس بها في البرلمان، ومن ثم تدخل تلك الأصوات والمقاعد في تحالفات مع المجموعات الكبيرة وأبرزهم الثنائي «حزب الله» و«حركة أمل».

وكأن المطلوب من أبناء سنة لبنان في المرحلة المقبلة أن يلتزموا الصمت ويتجرعوا الهزيمة على وقع أحاديث خصومهم عن «حماية خيار المقاومة الاستراتيجي وحماية المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة»!!

وبخلاف ميليشيات الحرب الأهلية اللبنانية التي جرت على مدار 15 عاماً بين 1975 و1990، لم يتم نزع سلاح «حزب الله» حيث يتمسك به الأخير بذريعة مقاومة إسرائيل، بينما يأخذ عليه مناهضيه أنه يستخدمه للضغط على الحياة السياسية والتفرد بالقرار، فيما جاءت الحرب السورية لتسقط آخر ورقة توت عن عورة المقاومة ضد الاحتلال!!

وفي هذا الصدد، لن يتردد «حزب الله» وأنصاره من السعي الحثيث لتعزيز النفوذ العسكري والسياسي، من خلال تكريس ما يسمى بـ «شرعية سلاح الحزب» بمواجهة سلاح الدولة، إذ بطبيعة الحال من يقدر على لجم المنتصر بعدما تغيرت الأوضاع، إذ كان سلاح الحزب موضع جدل بين الفرقاء اللبنانيين، قبل الانتخابات، فكيف سيكون الحديث بعد النتائج المخيبة للآمال والضربات القاسية التي وجهها السنة إلى أنفسهم قبل أن يوجهوها إلى أعدائهم وخصومهم وحتى قبل أن يوجه إليهم خصومهم إليهم تلك الضربات بتلك القسوة؟!

كأن السنة في لبنان خسروا الانتخابات قبل أن يخوضوها بإصرار الزعامات على التشرذم والتفنن في إضاعة الأصوات وتفتيتها في خلافات لا تسمن ولا تغني من جوع؟

* وقفة:

أيام صعبة يعيشها السُنّة في لبنان على وقع إخفاقات زعامات أبناء طائفتهم - سامحهم الله - في ظل حالة التشرذم التي أصروا أن يلتحفوا بها بمواجهة خصوم لن يتنازلوا عن «المعادلة الذهبية» و«شرعية سلاح المقاومة»!!