تقول لي وقلبها مليء بالحسرة: فعلت الكثير لأجلهم، أعطيت كثيراً وبالنهاية كانوا هم أول من آذاني وأساء لي، لا أدري لما الله يقدر لي دائماً منح الخير لأناس ممن لا يستحقون العطاء «والخير فيهم ضايع». أشخاص هم أول من يطعنوك ويتبرؤون منك.. أشخاص ناكرون للمعروف أضعنا معهم وقتنا بلا فائدة!

كثير منا يفكر بهذه النظرة المحدودة والقصيرة المدى ولا يعي ما وراء حكمة الله له حتى في مسألة أن تمنح الكثير وتضيع وقتك وجهدك لأجل من لا يستحقون فيما تتحسر وتندم مقابل أشخاص لم تمنحهم هذا المقدار من العطاء وتقدرهم كما يقدرونك.

وجدتني أكلمها بشيء من التأمل: كل إنسان يمرون عليه أشخاص في حياته يشعر أنه أعطاهم أكثر مما يستحقون بل وقد يضيع سنوات عمره ووقته وجهده لأجل من «لا ينقع بعينهم» شيء والخير فيهم ضايع ولن يقدروا مهما فعلتي إحسانك إليهم بل ومن ورائك سيتكلمون ويدعون تقصيرك بحقهم مهما فعلتي بل وسيخترعون ضدك مواقف وقصص عكس ما فعلتي معهم وسيكونون أول من يسيء إليك ويجحدك ويعاديك لكن دعينا نقرأها من زاوية أخرى أبعد قليلاً مما تفكر فيه النفس البشرية. لو أسديت إليك خدمة في يوم ما ودارت الأيام وقمتي انتي بإسداء خير كرد للمعروف إلي.. وكما يقال «الدنيا سلف ودين» هنا رصيدك صفر تماماً دين وسدد إليك وانتهى.. هنا نحن متساوون أليس كذلك؟ طيب وانتي تمنحين الخير لي وامنحه لك فأني أعرف أنك تستحقينه وأنا أستحقه وانتهى! سأعتبر وقتها نفسي محظوظة لأني أفعل الخير لمن يستحقه ويأتيني الخير على يد أشخاص جيدين في هذه الدنيا أليس كذلك؟

لكن لو قدمتي يوماً الخير لشخص اكتشفتي متأخراً أنه لا يستحق ولن يحسن إليك يوماً مهما فعلتي ولن يأتيك منه إلا كل شر ومضرة.. هل تعتقدين أن خيرك ضائع ولا مكان له في هذه الدنيا ولا الآخرة حتى؟ هنا بالأصل القضية والملف تحولوا من الأرض إلى رب السماء والأرض.. هنا خيرك أراد الله أن لا يرده إليك على يد أشخاص سيئون لا يستحقون ومسيئون لك «فمقامك أعلى وأرقى من أن يأتيك خيراً من هذه الأشكال» لأنه يعلم ما بداخل نواياهم من شر غير مكشوف لك وقد يكشف متأخراً، أراد أن يكشف لك إياهم في الوقت المناسب وبعد أن تعطين كثيراً حتى يمنحك الخير الذي تستحقيه أضعافاً مضاعفة بشكل آخر..

منطقياً أيهما أفضل عطايا البشر أم عطايا رب البشر سبحانه؟ أن يأتيك الخير على يد شخص هو عند الله غير جيد وليس من عباده الصالحين ومحروم من نعمة أن يكون قصة خير على كل إنسان يمر به أو يأتيك الخير ممن بيده الخير كله سبحانه؟

هنا حكمة الله لك في هذه الدنيا.. هو لا يريدك أن تمنحي خيراً لشخص «يستاهل» ويرده لك فهنا حسابك بات على يد بشر مثلك.. هو سبحانه يجعلك تقدمين الخير لمن لا «يستاهل» ولا يستحق لأنه يريد هو سبحانه الخير هذا أن يتولاه هو بنفسه لك أنت ويخصك به.. هنا الله يريد لك الشيء الأفضل من النظرة المحدودة والقصيرة المدى التي تطالعين بها الأمور والأشخاص والدنيا بأسرها. لا يوجد خير في هذه الدنيا بالأصل يضيع حتى لمن تحسن إليهم ولا يستحقون أو يقابلونه بالإساءة ويجحدونك.. نحن لسنا ساذجين أو أغبياء عندما نكون طيبين جداً مع الغير ونمنحهم بلا مقابل حتى.. نحن عندما منحنا الخير لم نمنحه لأننا ننتظر الرد بل نعمل لآخرتنا وهم يعملون لدنيتهم وهنا الفرق!!

بالأصل علينا أن نقلق كثيراً عندما نرى كل خير عملناه لوجه الله يرد لنا في الدنيا وبنفس الوقت ونتساءل: هل يا رب العالمين تفعل ذلك كي لا تجازيني بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟ هل لم تعد تحبني يالله ولم أعد من عبادك الصالحين فأصبحت ترد لي كل شيء أعمله وفوراً وكأنك تسدد رصيد حسابي في الدنيا حتى لا يكون بحسابي كنز مخبئ مذخور لاحقاً كالرصيد الاحتياطي؟

لنجعل شعارنا دائماً: سيظل قلبي كما الشجرة تظلل الجميع حتى لمن أراد قطعها، مهما رماها الآخرون بأحجار الإساءة سترمي عليهم أجمل ثمارها وابتساماتها، الطيبة ليست سذاجة بل الساذج حقاً من لا يدرك بواطن الأمور ولا يفقه لأسرار هذا الكون.. الطيبة من صفات المؤمن القوي ومن علامات الإيمان وباب للتقرب إلى الله سبحانه.

لا يهم كم منحت وبالمقابل كم إساءة بسبب هذا المنح حصلت.. المهم كم حسنة حصدت وكم سيئة من رصيدك مسحت وكم سوء قدر بسبب عملك للخير به دفعت وأبعدت! افعل خيراً وارمه بحراً.. سترده لك أمواج الزمن يوماً أضعافاً مضاعفة.

* إحساس عابر:

عزيزتي أمينة تفصل بيني وبينك مسافات وبحور لكنك نسختي الروحية الأخرى في موطنك.. شكراً لأنك ألهمتيني كتابة هذا المقال وممتنة لكل اللحظات التي جمعتنا في الخير.