أعرف أشخاصاً يمارسون التحدي فيما بينهم، لنتحدى ألا نشرب قهوة لمدة شهر.. لنتحدى من يكمل أولاً قراءة كتاب أو الانتهاء من رواية أو الانتهاء من لعبة إلكترونية أو من يحطم الرقم القياسي لهواية رياضية أو ينتهي أولاً من متابعة مسلسل تلفزيوني.

هناك أيضاً من يمارس التحدي في حياته باقتناء أحدث الهواتف وجديد الأجهزة الإلكترونية والرياضية أو تصاميم الملابس والشنط والأحذية، بالنهاية كل إنسان يمارس نوعاً من التحدي حتى بينه وبين نفسه.. سأتحدى نفسي لممارسة رجيم قاسٍ ولا أتناول خلال أسبوع أي نوع من أنواع الأطعمة الدهنية -على سبيل المثال- سأتحدى نفسي أترك التدخين أو أخفف منه.. سأتحدى نفسي أقوم بتعديل عدد ساعات النوم وتجنب السهر.. سأتحدى نفسي بتقنين مصروفاتي وزيادة مستوى دخلي.. كل إنسان يصمم لنفسه تحدياً خاصاً وهو يطالع ويعيد حساباته وترتيب أوراقه في جانب من جوانب أمور حياته، لكن يغفل الكثير أن شهر رمضان شهر تجتمع فيه كل أنواع التحديات.

تقول لنا إحداهن: في رمضان يكثر الناس من ممارسة الرياضة واللجوء إلى الصالات والأندية خاصة النساء، حيث يزداد الإقبال منهن لأنه شهر يحوي فرصة عظيمة لإنقاص الوزن!

نعم في رمضان هناك فرص عظيمة وتحديات عديدة وأكثر أهمية من تحديات تتعلق بالشكل والمظهر العام للإنسان، كما أن هناك كنوزاً ثمينة لا تتوفر في بقية شهور السنة، فيكفي أن هذا الشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتصفد فيه الشياطين وتغفر فيه الذنوب وترفع فيه أسماء العتقاء من النار وأجر الحسنات فيه مضاعف وفيه مناسبة هامة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

كما أن البعض يهتم بممارسة الرياضة خلال رمضان للتخلص من عدة كيلوغرامات زائدة وإنقاص الوزن، لا بد من أن يفطن كل إنسان أن رمضان محطة لإعادة تقييم نفسك وإنقاص وزن سيئاتك الزائدة والمتراكمة طيلة العام! الرياضة الروحية بكثرة الاستغفار والتسبيح وتلاوة وتدبر القرآن الكريم تحتاجها الروح لتجديد طاقة الإيمان بداخلها كما يحتاج الجسم إلى الحركة وممارسة الرياضة كل فترة.

كما الكثير يتحدى باقتناء أحدث الهواتف والأجهزة وجديد الملابس والشنط والتباهي بها عليه أيضاً أن يتحدى نفسه قبل الآخرين بالحصول على أعظم الحسنات والأجر من خلال الحرص على القيام بعبادات جديدة تعود عليه بالنفع والخير، والقصد بالعبادات الجديدة ليست تلك المتعلقة بتلاوة القرآن وقيام الليل وما شابه فحسب، إنما أيضاً في سلوكياته وتعامله مع الآخرين وتحسين مكانته المجتمعية والعلمية والعملية «الدين معاملة»، «الدين نصيحة»، «العمل عبادة»، «الدين كله خلق»، «قوام الإسلام باللسان والسنان»، «طلب العلم فريضة»، كلها كلمات لو تأملناها لوجدنا أن الكثيرين منا يهملون هذا النوع من العبادات الضرورية لأنفسهم ولمجتمعهم رغم أهميتها ولا يحرصون رغم مرور السنوات عليهم على «اقتناء» بعض هذه العبادات والتحدي والتنافس بينهم عليها رغم أنها أكثر فائدة من تحدياتهم الدنيوية.

هناك من يتحدى نفسه بالإقلاع عن التدخين أو ترك عادة سيئة تضر بصحته وجسده ويغفل أهمية أن من حق روحه أيضاً أن يتحداها في الإقلاع عن معصية تلتهم حسناته وتضر بحياته وآخرته وتعود عليه بالبلاء وسخط الله وغضبه، كما أن التدخين يتسبب بالمرض لجسدك فإن كثرة السيئات أيضاً تتسبب بالمرض لروحك وتحتاج إلى برنامج ديني أشبه بالبرنامج الصحي لعلاجها أو وقايتها وتحصينها.

لمن يقول سأتحدى نفسي بتقنين مصروفاتي وزيادة مستوى دخلي هل فكرت بتقنين سيئاتك وزيادة دخل حسناتك ورصيدك للآخرة ووجدت أن رمضان فرصة لفتح حساب جديد وصفحة من حياتك؟

لمن يحرص على ختم لعبة إلكترونية أو تحطيم الرقم القياسي لهواية رياضية أو من ينتهي أولاً من متابعة مسلسل تلفزيوني، هل فكرت في أن تمارس تحدي ختم القرآن الكريم أكثر من مرة خلال شهر ومن ينتهي أولاً من ختم القرآن أو حفظ سوره؟ هل سعيت لأن تحطم الرقم القياسي في عدد مرات الاستغفار وصلاة قيام الليل؟ هل تنافست مع الآخرين على من يكون أكثركم فائدة وخدمة للمسلمين ومنفعة للناس؟

من يحرص على تعديل ساعات نومه وتجنب السهر عليه أيضاً أن يحرص على تعديل عدد الساعات التي يخصصها يومياً للعبادة والصلاة وقراءة القرآن وأن يضيف إلى جدول يومه الحرص على تلاوة الورد اليومي وأذكار الصباح والمساء ويتجنب الملهيات التي تبعده عن القرب من الله سبحانه وتعالى.

رمضان شهر الخيرات وباب لممارسة التحدي، وما أجمل أن تتحدى نفسك روحياً وتكتشف في نهاية هذا الشهر المبارك أنك أنجزت الكثير وكسبت التحدي وأنك الرابح الأكبر!