مع زخم الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط وانشغالنا في متابعتها ورصدها وتحليلها، إلا إننا مقصرون جداً نحو فئة من المواطنين الراحلين عنا إلى السماء، وهم سطروا أمجاداً ورفعوا اسم البحرين في الأوساط الدولية وقد تغافل عنهم إعلامنا المعاصر.

وفي الأيام الماضية كان مع زميلي العزيز عبدالله بوطربوش لقاء مهم، ليسرد لي قصة والده حسن عبدالله بوطربوش وهو من مواليد عام 1940 بالمحرق والتي تسطر رحلة حياة الأجداد وما مروا به من ظروف صعبة لا يمكن أن يعيش بها إلا من كانت لديه الشجاعة والإقدام، فقد عمل المغفور له منذ سن الخامسة نتيجة لظروفه القاسية إلى أن وصل إلى سن 12 عاماً ليلتحق بشركة نفط البحرين «بابكو» في وظيفة مراسل، إلى أن تطور به الحال ليكون محاسباً وعامل مختبر وتدرج وعمل مع عدد من الأشخاص كيوسف أحمد الشيراوي وزير التنمية والصناعة السابق ومع الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة السابق.

وبعد وفاة والد المرحوم حسن لم يستطع تكملة المشوار في شركة «بابكو» لأن مقر الشركة كان يبعد عن سكنه في المحرق وأن أسرته لا تلقى من يرعاها، واضطر للعمل في مطار البحرين الدولي ليتعلم كيفية تحضير الأطعمة وفنون خدمة الزبائن، ليتعرف على الكثير من الشخصيات وكان يشرف على تجهيز ومتابعة الوجبات الـ3 في الطائرة التي تقل جلالة الملك المفدى عندما كان ولياً للعهد إلى بريطانيا.

ومع الظروف القاسية استقال من عمله، ولكن هذه الظروف لم تمنعه من تحسين حياته المعيشية، ومن محاسن الصدف كان هناك قبطان أمريكي الجنسية يبحث عن عمالة لسفينته، ومنهم أشخاص متمرسون في الطبخ ويجيدون اللغة الإنجليزية، فالتحق حسن بوطربوش مع مجموعة من الأفراد في السفينة، وعندما أبحرت خارج الحدود ليتم إبلاغه بأنه هذه السفينة ليست مجرد سفينة نقل بل هي متجهة للمشاركة في حرب فيتنام، ورغم الصدمة فقد قام بوطربوش بالعمل فيها لعدة شهور.

وبعدها قرر حسن أن يعود لأرض الوطن ليحصل على فرصة العمل بشركة «ألبا»، ومع مرور الأيام، فقد تم استدعاؤه من قبل مطار البحرين الدولي ليكون أول بحريني يرأس قسم التموين في المطار.

ومع تأسيس تلفزيون البحرين وجد المؤسسون أن المرحوم حسن بوطربوش يملك المؤهلات اللازمة ليتعلم في مجال الأفلام السينمائية، وقد تكفلت الدولة حينها بابتعاثه لدراسة تحميض الأفلام إلى لندن والكويت ليتم تعيينه مشرفاً على مختبر تحميض الأفلام السينمائية، حتى تقاعد في عام 2000، وقد أسهم بالعديد من الإنجازات في وزارة الإعلام كإنشاء المخازن وتعيينه المسؤول عنها.

ما سردته سيرة شخصية من شخصيات عديدة رحلت عنا، ولم يكن للإعلام المحلي أن يذكرها أو يضعها ضمن أجندتها، فهي من يجب أن نسلط الضوء عليها لأنها قدوة وطنية يجب على أجيالنا والأجيال القادمة أن تتعلم منها وأن تنافسها في العمل والسعي في التغلب على التحديات، ونعترف بأننا مقصرون بحقهم في ذكرهم في مقالاتنا لأن من مثل حسن بوطربوش وغيره من الشخصيات الراحلة عنا يستحقون أن يكونوا جزءاً مهماً في أن نذكرهم ونخصص لهم مساحة ليعلم الأحفاد ماذا صنع أجدادهم وإسهامهم في بناء وطننا الغالي، فليعذرونا فنحن مقصرون بحقهم.