لاتزال إيران تواجه تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلنه في 8 مايو الجاري، بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي المبرم بين دول «5+1» وإيران في يوليو 2015، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية التي رُفِعت في هذا الإطار ما يشمل كل الشركات التي لها أنشطة على الأراضي الأمريكية أو التي تتعامل بالدولار. ولم تكد طهران تواجه التداعيات الاقتصادية السلبية لقرار ترامب، لا سيما والشركات الأوروبية الكبرى تواصل الانسحاب من إيران خشية العقوبات الأمريكية، حتى فاجأت إدارة ترامب طهران باستراتيجية جديدة للتعامل مع الأخيرة بعد الانسحاب من الاتفاق النووي حرصت من خلالها واشنطن على أن تكون العقوبات الاقتصادية هي الجانب الأبرز من الاستراتيجية الجديدة من أجل مزيد من الضغط على طهران، حيث توعدت إدارة ترامب، إيران بعقوبات هي الأقسى في التاريخ، إذا واصلت سياساتها في المنطقة، مشيرة إلى أن تلك العقوبات سترفع عن طهران في حال نفذت الأخيرة 12 شرطاً أمريكياً قاسياً. وبالرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اعتبر أن «الشروط الـ12 ربما تبدو غير واقعية»، لكنه شدد على أنها «مطالب أساسية»، في حين أنها تعد غصة في حلقوم طهران خاصة مع التداعيات السلبية التي تلحق باقتصاد إيران نتيجة فرض عقوبات جديدة. وتتضمن المطالب الـ12:

1- الكشف عن كل التفاصيل المرتبطة ببرنامج طهران النووي، والإفصاح عن كامل الأبعاد العسكرية للنظام النووي والسماح لوكالة الطاقة الذرية بالتفتيش المستمر.

2- التوقف عن تخصيب اليورانيوم، وإغلاق مفاعل الماء الثقيل، والتخلي عن محاولات معالجة البلوتونيوم.

3- منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفاذاً شاملاً لكل المحطات النووية الإيرانية، والسماح للوكالة بالوصول الكامل إلى كافة المحطات النووية العسكرية وغير العسكرية.

4- وضع حد لانتشار الصواريخ الباليستية وإطلاق الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية.

5- إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين وكل المواطنين الحاملين لجنسيات من دول حليفة لواشنطن المحتجزين في إيران.

6- وضع حد لدعم «المجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط»، وإيقاف دعم إيران لمجموعات إرهابية في الشرق الأوسط مثل «حزب الله» وحركة «الجهاد» الفلسطينية.

7- وضع حد لدعم حركة «طالبان» وإيواء عناصر «القاعدة» والجماعات الإرهابية الأخرى.

8- إيقاف دعم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وشركائه من الإرهابيين.

9- احترام الحكومة العراقية ونزع سلاح الميليشيات الشيعية في العراق.

10- إيقاف دعم ميليشيات المتمردين الحوثيين في اليمن وأن تعمل طهران على التوصل لحل سياسي في البلاد.

11- انسحاب إيران من سوريا عبر سحب ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وكل القوات التي تخضع لأوامر إيران في البلد.

12- وضع حد لتصرفات طهران تجاه الدول الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط، ويجب على إيران أن توقف سلوكها الذي يهدد جيرانها، وكثير منهم حلفاء للولايات المتحدة.

وكان السجال سيد الموقف بين أوروبا وأمريكا فيما يتعلق بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، حيث أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أنه «ليس هناك حل بديل» عن الاتفاق النووي مع إيران، وذلك رداً على خطاب نظيرها الأمريكي مايك بومبيو الذي عرض فيه سلسلة الشروط المشددة للتوصل إلى «اتفاق جديد» مع طهران، حيث اعتبرت أن الاتفاق النووي الذي وقع في يوليو 2015 بين طهران ومجموعة الدول الست الكبرى التي تضم ألمانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا، «هو ملك المجتمع الدولي وقد صادق عليه مجلس الأمن الدولي»، إلا أن واشنطن التي تسعى إلى طي صفحة الاتفاق النووي مع إيران شددت على أنها ستبذل جهوداً شاقة لبناء تحالف ضد «النظام الإيراني» و«نشاطاته التي تزعزع الاستقرار»، في محاولة للتعبير عن قبول التعددية بعد الانسحاب بقرار أحادي.

على الجانب الآخر، أعلنت شركات أوروبية انسحابها من إيران تحسباً للعقوبات الأمريكية. وقررت 8 شركات أوروبية كبرى مغادرة إيران نهائياً مع إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وعودة العقوبات على طهران وتهديد واشنطن بمعاقبة الشركات الأوروبية المتعاونة مع إيران، وأبرز تلك الشركات هي «توتال» الفرنسية، و«آني» و«سيمنز» الألمانية، و«إيرباص» الأوروبية، و«أليانتس» للتأمين، و«ساغا» النرويجية، و«دنييلي» الإيطالية، و«مايرسك» الدنماركية، بعد 10 أيام من قرار ترامب، أي قبل موعد تنفيذ العقوبات بعدة أشهر. بدورها أعلنت شركة النفط الفرنسية العملاقة «إنجي» أنها ستوقف أنشطتها الهندسية في إيران بحلول نوفمبر المقبل تجنباً للعقوبات الأمريكية على الشركات العاملة في إيران، قبل أن تؤكد مجموعة «توتال» الفرنسية أيضا أنها لن تكمل مشروعها الكبير في قطاع الغاز في حال لم تحصل على إعفاء أمريكي. وبالرغم من أن وزارة الخزانة الأمريكية أعطت مهلة 180 يوماً للشركات المتعددة الجنسيات لمغادرة إيران، إلا أن شركات أجنبية قررت الانسحاب من إيران بعد 10 أيام من قرار ترامب وقبل 170 يوماً من انتهاء المهلة الأمريكية. ولا شك في أن إعادة فرض العقوبات الاقتصادية تنعكس على الشركات الأجنبية وخصوصاً الأوروبية، حيث هناك مخاوف من مخاطر مالية تتعرض لها المؤسسات الأوروبية التي تريد الاستثمار في إيران، وفي الوقت ذاته، ينذر الانسحاب الأوروبي من السوق الإيرانية بآثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الإيراني.

* وقفة:

استراتيجية أمريكا تجاه إيران بالمطالب الـ12 القاسية غصة في حلقوم طهران وضربة قاسية للاقتصاد الإيراني لا سيما بعد انسحاب كبرى الشركات الأوروبية من السوق الإيرانية خوفاً من عقوبات ترامب!!