مازالت المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية من أهم الوسائل الاتصالية التي يمكنها أن تصدر ثقافة بلد، ترسخ صورة ذهنية عن مجتمع، تروج عن أهم المعالم السياحية في مدن العالم، أداة للتباهي بحضارة بلد، كما يمكن أن تكون أيضاً في الجانب المضاد وسيلة لهدم ثقافات وحضارات وقيم شعوب وأوطان. ما على صانعي هذه المواد إلا اختيار الهدف من إنتاجها والسعي الحثيث لإيصال هذه الوسائل بشتى القنوات، لتكون الخطوة التالية بيد المشاهد في تصديق المحتوى أو تكذيبه أو الترويج عنه أو الإقدام بفعل معين، أي يقوم المشاهد بالدور الاتصالي مع نفسه أو مع الآخرين أو مع البيئة المحيطة به إزاء ما يشاهده عبر شاشات العرض، الذي يعكس بالتالي مدى تأثير هذه الوسائل عليه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

الخبر الذي أسعدني وجعلني أكتب مقالي، هو خبر بث رسوم متحركة سعودية «كنز الحطاب» على تلفزيون طوكيو في اليابان، والذي سيبث في وقت الذروة في اليابان لتحكي حلقات « كنز الحطاب» عن تراث الجزيرة العربية، وذلك من أجل إيصال الثقافة السعودية إلى العالم في صورة إبداعية كما جاء في الخبر، نعم الخبر مفرح عندما يتم توظيف وسائل الإعلام والاتصال بصورة صحيحة تخدم الوطن والشعوب والعقيدة، وتدافع عن حضارة وعن قيم وعادات متوارثة تصب في التنمية، وتسعى بأن تثبت أين يقف الوطن بين دول العالم.

بالتأكيد على مدار سنوات طويلة تم استخدام الرسوم المتحركة والأفلام والمسلسلات وبعض الألعاب الإلكترونية لتشويه صورة العرب والإسلام، وتم استهداف الدين الإسلامي والقيم العربية الأصيلة بصورة بشعة في محاولة لإيصال صورة سلبية محبطة عن الإنسان العربي والإسلامي، لذلك مهم أن ننتج مسلسلات وأفلاماً ورسوماً متحركة عربية على أن تتم دبلجتها بلغات العالم، وذلك من أجل إعادة الثقة بالعربي والمسلم في عقول الشعوب، وحتى لا نكون سلعة رخيصة يتاجر بنا أصحاب الأجندات وداعمو الإرهاب، وهذا مهم جداً في إعادة الثقة لأننا لسنا بمعزل عن العالم وغير مستعدين أن يواجهنا العالم بسلوك لا ينتمي إلينا ونحن لسنا بهذه الصور التي تتناقلها عنا بعض المسلسلات والأفلام.

المسلسلات التركية وظفت مسلسلاتها بطريقة صحيحة للترويج عن كل مدينة من مدن تركيا، وأصبحت هذه المسلسلات الأكثر مشاهدة في الوطن العربي، وبعيداً عن قصة المسلسلات فإن إبداعات المخرج كانت واضحة عندما يعطي المشاهد مساحة كبيرة لمشاهدة أهم معالم تركيا من خلال اللقطات التي تربط مشهداً بآخر، مما دفع الكثيرين لزيارة تركيا بهدف السياحة بصورة ملفتة، بل صرح أحد المنتجين الأتراك بأن الوطن العربي مستهدف في هذه المسلسلات من أجل السياحة المتعددة التي تعززها تركيا للوطن العربي.

الأفلام الأمريكية أيضاً وظفت أفلامها السينمائية للترويج عن الولايات المتحدة بأنها الدولة التي لا يمكن أن تقهر حتى وإن واجهت تحديات الطبيعة والعالم الخارجي من خلال أفلام الحروب والأفلام التي يكون محورها التكنولوجيا والتجسس وأفلام الفضاء، جميعها محاور هامة للولايات المتحدة للتحكم بمشاعر جميع الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي من خلال مشاعر الخوف والغضب والانبهار والاستسلام والانصياع ومشاعر كثيرة يمكنها أن تحقق الهدف الرئيس من إنتاج العمل الدرامي.

الأفلام الهندية والمسلسلات الهندية المدبلجة في نظري حققت الكثير طوال السنوات الماضية حتى أفلام الأبيض والأسود، فقد حققت الترويج عن السياحة والثقافة الهندية باختلاف المعتقدات من ملبس وطعام ونمط حياة، وساهمت في حل قضايا المجتمع الهندي، وبرغم ما حققته وما لمسناه، إلا أنه كما أتصور بأن المستهدف من ذلك هو الشعب الهندي نفسه الذي نجح بأن يكون الداعم الأول لهذه الأفلام والمسلسلات الهندية والتي انعكست عليه من خلال ارتباطه بهذه الأفلام، أما ارتباطنا نحن بالأفلام الهندية فهو كما أتصور مجرد ارتباط ترفيهي لا غير ولكنها حققت هدفاً في نقل الثقافة الهندية للعالم الخليجي.

والسؤال، هل حققت المسلسلات والأفلام العربية والخليجية للشعوب الأخرى أهدافاً ساعدت على تغيير الصورة النمطية عن شعوبنا؟ هل ساهمت في تنمية دولنا؟ وهل كانت بالثقل الذي يمكن أن يكون محركاً قوياً لمشاعر الشعوب غير العربية؟ وأنا لا أتكلم عن فيلم أو مسلسلين أتكلم عن مسيرة فنية طويلة ساهمت في تصدير وإيصال ثقافة حقيقية للشعوب الأخرى، والترويج الصحيح عن عاداتنا ومعتقداتنا وحضاراتنا والتسويق عن البلد للسياحة بأنواعها.

لذلك لا بد أن نصدر أعمالنا الدرامية للخارج ونصر على أن ندبلج المسلسلات بلغات العالم التي تراعي أهدافنا الثقافية والسياحية والحضارية، وتراعي فيه أخلاق العرب والمسلمين، بعيداً عن المسلسلات التي تعزز الإرهاب وتنشر الصور السلبية عن شعوبنا ونحن خير أمة أخرجت للناس.