هناك أشخاص يعقدون الأمور دائماً.. يصعبون أمور الخير.. يتصورون أن عمل الخير يقبع فقط في خانة الأعمال الكبيرة والصدقات المالية الضخمة والمبادرات التطوعية والإغاثية التي تحتاج للكثير من الوقت والجهد، فتجعلهم يترددون ويؤجلون أبواب الخير المفتوحة لهم يومياً وهم يمضون في دروب حياتهم، رغم أن عمل الخير قد يكون متوفراً بين يديك وهو من يأتيك لا أنت من تسعى إليه.

الرزق من الله سبحانه وتعالى لعباده يتساقط يومياً كما المطر، لكن وحدهم من لديهم بصيرة إيمانية قادرون على اغتنام هذه المكرمة الإلهية والاستفادة منها، رزق الحسنات مثل وضعك أيام المدرسة، لربما أنت تجتهد دراسياً كثيراً وتذاكر دروسك وتقدم امتحانك وأنت واثق من صحة إجاباتك كلها، ولكن قد تكتشف آخر السنة أنه تنقصك درجة أو درجتين حتى تصبح متفوقاً دراسياً، وفجأة يرتفع معدلك بسبب حصولك على درجات الحضور أو البحوث أو الأنشطة كاملة!

مثل هذا النظام موجود في حياتك فيما يخص درجاتك اليومية من الحسنات والخيرات لكن القليل من ينتبه لها، لم يجرب أحد يوماً أن يغتنم الفرص العابرة في يومه، وأن يتفهرس في مجريات وأحداث ساعاته، وكيف الله يرسم له سيناريو لفرص خير كثيرة تمر من بين يديه دون أن يدركها.

خرجت يوماً مبكراً للاتجاه إلى جهة لقضاء مهمة خاصة لك فوجدت أن الازدحام في الشارع سيجعلك تمضي ما لا يقل عن نصف ساعة وأنت عالق بين السيارات.. لربما الله قدر ذلك كي تستغل هذا الوقت في التسبيح وقراءة الأذكار كي تمحي سيئات متراكمة لك منذ فترة وتبدلها بالحسنات.. لربما الله أراد في هذه اللحظة بالذات أن تستغفر فيغفر لك ذنوبك جميعها.. لربما أيضاً أراد أن تحصن نفسك بالاذكار قبل أن تتجه إلى هذا المكان وتتعرض هناك لمكر حاقد أو عين حاسد، لربما لأنك لو أمضيت وقتك الذي أردته لكنت تعرضت لسوء فعطل ذلك بغنيمة خير وبهبة وقت منحك إياها لتستغلها في الخير، وبيدك الخيار إما أن تستوعب ذلك فتغتنم الوقت الذي يمضي بك في الازدحام بالاذكار والدعاء والتحصين أو تجعله يهدر منك دون أن تدركه!

وأنت في عملك منهمك لمحت طيراً واقفاً عند نافذة مكتبك، هذا الطير لربما الله سخره ليقف أمامك من بين مئات المباني ونوافذ المكاتب حتى تلمحه فتضع له علبة بها ماء أو طعام فيأكل منه.. حسنات جاءتك إلى مكانك وأنت جالس مرتاح في مكتبك.. حتى الفكرة التي راودتك ألهمك إياها كرزق لا يمنحها لغافلين كثر منهمكين في الشر لعباده لا للخير.

انتهى الوقت في العمل وعليك المغادرة لتتفاجأ بشخص آخر الوقت يطلب منك مساعدة.. الله سخر لك هذا الإنسان في هذا الوقت بالضبط، ليس لأنه محتاج لخدمتك بل أنت محتاج لأن تخدمه حتى تغتنم الآجر الذي وراء عملك له رغم تعبك ورغم أنه ربما قد تكون في عجلة من أمرك لأنك اليوم لربما قمت بالعديد من الأعمال الصالحة منذ بداية يومك، ولكن تنقصك عدة درجات حتى تصبح من العباد المتفوقين من ذوي الدرجات العليا في الدنيا والآخرة.

وأنت تسير في الشارع ماضياً لربما تجد شخصاً وقد تعطلت سيارته أو شخصاً يحتاج إلى توصيل أو شخصاً أضاع وجهة يريد الوصول إليها ويحتاج لمن يدله عليها عن طريق تتبعه.. كلها غنائم خيرات جاءتك إلى مكانك من الله أراد أن يرزقك إياها ويخصك بها من بين مئات الناس من حولك!

استمعت وأنت تأكل طبقاً من الأرز داخل منزلك إلى صوت طيور أو قطط بالخارج.. وجدت أنها فرصة كي تنهض وتأخذ الطعام الزائد وتضعه لهذه الطيور أو القطط فتنال أجراً عظيماً من ورائها «في كل كبد رطبة أجر».. هل في ذلك جهد كبير؟ هل عانيت لأجل أن تقوم بهذا الأمر وتحتاج لتخصيص وقت وأيام لذلك؟ عمل بسيط استلهمته وأنت تتناول طعامك لأنه يفتح لك أبواب أجر وحسنات رزقك الله إياها وأنت مرتاح في منزلك.

وأنت في «السوبر ماركت» تتبضع لمنزلك، ورغم أنك دونت في الورقة التي بيدك حاجاتك التي حددتها مسبقاً حتى لا تُضيّع الكثير من الوقت في المرور بين الأقسام أو أردت أن تدخل سريعاً لشراء غرض ما وتخرج لأنك مستعجل، فوجدت نفسك عن طريق الخطأ تتجه إلى قسم المثلجات أو المشروبات على سبيل المثال فتناولت العديد منها أو وجدت نفسك عند الدفع وقد وضع مع حاجياتك أطعمة ومشروبات لم تطلبها.. فكرت أن تشتريها حتى توزعها على العمال بالخارج طالما أنك مررت بهذا القسم.. الله سخر لك أن تتجه لشراء شيء آخر غير ما اكتفيت بتحديده حتى تغتنم هذا الخطأ في الخير! حتى تتصدق رغماً عنك.. الخير هنا هو من يسبقك ويأتيك قبل أن تبحث عنه وخلفه قد يقبع أجر عظيم أو يدفع بلاء أو سوء قضاء كتب لك في هذا اليوم وأراد الله أن تقوم بهذا العمل البسيط جداً حتى يدفعه عنك!

تأمل يومياتك وأحداث ساعاتك وجرب أن تنظر إليها من زاوية إيمانية وروحانية وأن تدرك الحكمة في مجريات تفاصيلها، وستكتشف أن هناك الكثير من الصدف في يومك هي ليست مجرد صدف إنما غنائم من الله سبحانه مخبأة يخصها لك أنت وحدك!