معلومتان صار النظام الإيراني يعمل على ترويجهما منذ أن صرح وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو بتلك التصريحات التي أربكت مسؤوليه، الأولى هي أنه أفشل خطط الولايات المتحدة في العراق وسوريا وأنه لهذا يريد ترامب الانتقام منه، والثانية هي أن وجود إيران في سوريا والعراق هو بناء على طلب رسمي من الدولتين. ولكن لأن هذا الكلام يصعب تسويقه حتى على من لا علاقة له بالعمل السياسي لذا فإن العالم ضحك منه ومن الذين عمدوا إلى تسويقه واعتبره دليلاً على تورط النظام الإيراني في ذينك البلدين ووقوعه في المصيدة التي نصبتها له الولايات المتحدة.

تصريحات بومبيو حصرت النظام الإيراني في زاوية صعبة، زاوية تشبه تلك التي يصير فيها الشاه في رقعة الشطرنج فيقول اللاعب الذي فعل ذلك لخصمه «كش مات» وينتهي الدست. الآن لا سبيل للنظام كي يفلت، وهو أمام مجموعة خيارات أحلاها مر، إن استجاب انتهى أو على الأقل تضرر وضعف وإن لم يستجب تضرر وقد ينتهي، ولأن المعارضة الإيرانية تنتظر هكذا فرصة لذا فإنها ستعمل على الاستفادة منها بممارسة مزيد من الضغط على النظام بغية إضعافه، وكذلك ستفعل الدول المتضررة من النظام الإيراني والتي أساء إليها على مدى العقود الأربعة الأخيرة وظل يهدد استقرارها بممارساته السالبة.

النظام الإيراني بعد شروط وزير الخارجية الأمريكي صار في موقف لا يحسد عليه وهو معرض لتلقي ضربة تطيح به إن لم يستجب لما وصفه بومبيو بالشروط السهلة، ومعرض أيضاً للسقوط لو أنه استجاب وآثر السلامة لأنه سيبدو فارغاً وسيبدو كل ما ظل يقوله ويهدد به مجرد شعارات، والأكيد أن الولايات المتحدة لن تتردد عن دعم المعارضة الإيرانية كي تمارس المزيد من الضغوط على النظام الإيراني، وكل هذا يزيد من مشكلته ويضعفه.

اليوم لا مفر من استجابة النظام الإيراني لشروط الولايات المتحدة كي تخرج نفسها من دائرة الهدف، لا مفر من إفصاح النظام عن كامل الأبعاد العسكرية لنظامه النووي والسماح لوكالة الطاقة الذرية بتفتيشه بشكل مستمر، ولا مفر من التوقف عن تخصيب اليورانيوم والتخلي عن محاولات معالجة البلوتينيوم وإغلاق مفاعل الماء الثقيل والسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول الكامل إلى كافة المحطات النووية العسكرية وغير العسكرية، ولا مفر من أن يضع هذا النظام حداً لانتشار الصواريخ الباليستية وإطلاق الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية.

اليوم لا مفر من أن يوقف النظام الإيراني دعمه للمجموعات الإرهابية في الشرق الأوسط وخصوصاً «حزب إيران في لبنان» وحركتي «حماس» و»الجهاد» الفلسطينيتين، ولا مفر من احترام الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات التابعة لها والممولة من قبلها وإيقاف دعم الميليشيات الحوثية في اليمن، ولا مفر من العمل على التوصل لحل سياسي في اليمن وسحب كل القوات التي تخضع لأوامره في سوريا وإيقاف دعم طالبان وجميع العناصر الإرهابية وإيواء عناصر القاعدة وإيقاف دعم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وشركائه من الإرهابيين، واليوم لا مفر من توقف النظام الإيراني عن سلوكه المشين المتمثل في تهديد جيرانه وتأليب مواطني الدول الأخرى ضد حكوماتها و»تصدير الثورة».

عدا هذا فإن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عنه ولن تلتفت إلى ما قاله الرئيس حسن روحاني وملخصه أن «زمن مثل هذه التصريحات قد ولى».

عملياً لا يمكن للنظام الإيراني أن يتوقف عن ممارساته لأنه لن يعود هو، وتغييره لمشيته سيوقعه في مأزق عدم إتقانه المشية الجديدة وعدم تمكنه من العودة إلى مشيته القديمة، ما يعني أنه وقع في الفخ وحصر في الزاوية التي يقال له فيها «كش مات».