صنعاء - سرمد عبدالسلام

تمتلئ اليمن بالكثير من التناقضات، وتزدحم مدنها على امتداد مساحتها المترامية بقصص تراجيدية ومآسٍ متنوعة، تكاد تتشابه في تفاصيلها، لكن مأساة الطفلة رنا تكاد تكون الأكثر غرابة وتراجيديا.

رنا طفلة يمنية لا يتجاوز عمرها الأسبوعين فقط، وجدت نفسها منذ أبصرت النور في هذه الدنيا، مجبرة على تحمل أخطاء الآخرين وأحكامهم الجائرة، التي قذفت بها في إحدى دور الأيتام رغم وجود والديها الحقيقيين.



ويعود أصل الحكاية إلى إحدى ليالي شهر مايو الجاري حينما وصلت امرأتان إلى مستشفى حكومي بالعاصمة صنعاء، تحملان في أحشائهما طفلتين، وقد بدت عليهما علامات اقتراب موعد الوضع.

أدخلت السيدتان إلى القسم المخصص للولادة ولم تمض سوى ساعة ونصف تقريباً حتى خرجت إحدى القابلات حاملة البشرى لأحد الوالدين بقدوم مولودته الجديدة وبعد نصف ساعة تكرر المشهد مع والد الطفلة الأخرى، ليتم نقل الطفلتين إلى قسم الرعاية الخاصة أو ما يعرف بـ "الحضانة" .

غير أن فرحة الأبوين تبددت بعد سويعات قليلة بسبب وفاة إحدى المولودتين، وتحولت لحظات السعادة إلى كابوس، خاصة أن الإهمال واللامسؤولية جعلا من الصعب على الممرضات تحديد عائلة المولودة التي فارقت الحياة من الأخرى التي سيطلق عليها لاحقاً اسم رنا.

دخل الوالدان في شجار مع المسؤولين في المستشفى ومع بعضهما، وكل منهما يدعي بأن المولودة التي كتب لها الحياة هي ابنته، وكاد الخلاف بينهما يتحول الى اشتباكات بالأيدي قبل أن يتدخل مسؤولو الأمن في المشفى ومعهم مشرف مليشيا الحوثي.

بعد أخذ ورد.. وشد وجذب، بدأ المشرف الحوثي - الذي جاء للفصل في النزاع وحل الخلاف - بكتابة الفصل الأول من مأساة الطفلة حينما قرر أن يتم تحويلها إلى دار الأيتام وحرمانها من أبويها الحقيقيين والمزيفين أيضاً، وهو قرار مجحف لم يمتلك أحد شجاعة الاعتراض عليه.

رنا التي انتهى بها المطاف في دار الرحمة للأيتام، وتم تدوين اسمها في السجلات كأصغر نزيلة فيه لم يتعدى عمرها بضعة أيام فقط، صارت مجبرة على تحمل نتيجة إهمال العاملين في المشفى، كما أنها ستكون عنواناً فريداً لمأساة صنعها غباء حوثي لا يزال يعيش في قرون غابرة، لا يعرف شيئاً عن فحص اسمه "D.N.A".

صحيح أن مثل هذا الفحص الذي بإمكانه تحديد والدي الطفلة الحقيقيين، لا يتوافر في اليمن التي تعاني من أوضاع صحية متردية وتعيش مشافيها حالة من التخلف والبعد عن التطور في الخدمات الطبية الحاصل لدى كثير من الدول الشقيقة، إلا أنه كان بالإمكان إلزام المستشفى بتحمل تكاليف عمل هذا الفحص وإرساله إلى الخارج وانتظار النتيجة، عوضاً عن هذا الغباء الذي ستدفع ثمنه طفلة، كتب عليها بأن تعيش هذه التراجيديا التي لا تخلو من التناقض كيتيمة لم يغيب الموت والديها بعد.

على الأرجح أن رنا ليست سوى تجسيد صارخ لمآسي وتناقضات هذا البلد العجيب، والأكيد أيضاً أن والديها اللذين منعهما الخوف والخنوع من الاعتراض على قرار أرعن كهذا مشاركان في كتابة فصول مأساة طفلة، لا يبعدان عنها سوى شارعين وشجاعة.