سألتني الوالدة الله يحفظها ويعطيها الصحة والعافية وهي تنتظر الجواب الشافي الذي يوحي بالإيجاب عن المسحر، هل يأتي إلى المنطقة التي نسكن فيها، فأجبتها بالنفي وقلت «تعرفين يا يمه بأن منطقتنا يديدة»، ردت علي رداً خجلت أن أبرر لها بعد ذلك، قالت «المنطقة والبيوت اليديدة يسكنونها عرب وأكثرهم من فرجان عريقة، يعني لابد من الناس أن تتمسك بالعادات والتقاليد حتى وإن سكنت في مناطق جديدة»، الوالدة الله يحفظها تريد البحرين القديمة وتريد أيضاً أهالي البحرين الذين يحافظون على عادات شهر رمضان الكريم في أدق تفاصيله، وبرغم توفر الساعات والمنبهات والهواتف النقالة التي يمكن أن توقظ النائم حتى يتسحر عند اقتراب موعد الإمساك عن الطعام إلا أن الكثيرين وليست الوالدة فقط يريدون أن يستمر المسحر في دوره السامي لتنبيه الناس، هكذا ترى فئة كثيرة من البحرينيين الالتزام في التمسك في العادات والتقاليد في كل صغيرة وكبيرة وأهمها في شهر رمضان المبارك.

الكثير من الناس يحاول ان يستعيد الماضي في شهر رمضان من خلال الاستعانة بما تبقى من هذه العادات برغم تطورها نوعاً ما، مازال طبقا الهريس والثريد سيدي الموائد في رمضان ومازال الكباب والخنفروش أشبه ما تكون «مناقيش» أما المحلبية والفالودة لا تخلوان من موائد رمضان ما بعد صلاة المغرب، وخيرات رمضان لا تعد ولا تحصى، الجميل بأن مازالت أمهاتنا تحرص أن يضع الأكل في أوانيها بأشكالها وزخرفتها القديمة تستشعر بأنهن مازلن بخير في زمن تتنافس فيه الأواني المنزلية عن القديمة منها، لذلك لا يرضين بالكثير ولكن بالقليل، المهم أن لا تخرج عن دائرة العادات والتقاليد في رمضان الخير.

عن إعداد الطعام في رمضان، الوالدة الله يخليها تذكرني بطباخها وتعدد لي أنواع الطعام الذي تعده لنا ونحن صغار حتى بعدما كبرنا قبل أن تأخذ منها السنون صحتها وقوتها، نعم كان «طباخ أمي غير» طعمه ورائحته لا يجيده أشهر طباخ في الخليج أو في العالم، كلنا - أنا وأنتم - يصوت كلاً لأطباق والدته، ولو بمقدورنا أن ندفع الكثير في سبيل طبق مفضل لدينا تعده الوالدة وهي بصحتها لقدمناه ولا نبالي في سبيل استرجاع طبق واحد كبرنا على اكله وتلذذنا كلما تذكرنا، وبالطبع هذه سنة التطور والتقدم لا شيء يبقى كما السابق.

الجميل ان الناس مازالت متمسكة ببعض العادات والتقاليد في رمضان، ومازالت تحيي لياليه منها احياء ليلة القرقاعون والغبقات وبعض الفرجان مازال المسحر حتى وان كان متطور نوعا ما، مازال يطوف بين البيوت وينادي برغم انه في السابق لم يكن يغني كما يفعل شباب اليوم، مازال الناس تحتفل بليلة الوداع وما زالت بعض الطقوس العائلية مستمرة في المجالس لاستقبال المهنئين والزوار، وهذا ما يجب على أهالي البحرين، التمسك بهذه العادات والتقاليد لأنها بصمتنا وهويتنا الوطنية البحرينية، ونحن أصحاب تاريخ عظيم ممتد لمئات السنين وتاريخنا واضح للعالم وثقافتنا اليوم هي امتداد من ثقافة الامس، تربينا عليها وسنربي عليها ابناءنا حتى يحافظوا عليها ويتمسكوا بها ويتناقلوها كالإرث الثمين من جيل الى جيل، رمضان كريم يجمعنا كل عام على الخير والصحة، وبركة والدينا.