مسؤول حكومي يقول إن القرار بتقديم مشروعات القوانين لا تتخذه السلطة التنفيذية إلا بعد استعراض كل الخيارات الأخرى ومناقشتها كلها باستفاضة، ويدور الجدل حول التفاضل بين الخيارات المتاحة ودراسة تبعات الآثار السلبية لكل منها ومكاسب كل منها، وقد تأخذ الاجتماعات أياماً وأسابيع وربما أشهراً ومن ثم يتم اختيار -ما يظن الفريق أنه الأفضل- حسب اجتهادات المسؤولين طبعاً، خاصة وأن لدى المسؤولين صورة كاملة ومعلومات قد لا تكون متوفرة لغيرهم.

آمنا بالله، وصدقنا أن القرار الذي يصدر من السلطة التنفيذية قرار «مدروس» وأخذ كل الاعتبارات، إنما لم لا نسمع هذه الاعتبارات سوياً؟ لم لا تشركوننا كمواطنين بما دار من جدل بينكم وكيف توصلتم إلى أن ما اتخذتموه هو أفضل الخيارات؟! لم «تحرصون» على الظهور بمظهر الجهة المتغطرسة التي لا تعنيها أسئلة الناس واستفساراتهم؟ لم تظهرون بمظهر الخائف المرتبك كالطفل الذي يكسر زجاج بيت جيرانه دون قصد ويجري يختبأ خلف الجدران خوفاً من التبعات؟ تركلون القوانين للسلطة التشريعية وحين تحدث جلبة وتكسر زجاجاً تختبئون خلف الباب تسترقون السمع دون أن تملكوا جرأة الدفاع عن قراركم.

إن كانت قراراتكم مدروسة وجدلكم مستفيضاً كما تدعون فليسمعه الناس، فليظهر من يتحدث ويقول لهم إن هذه كانت خياراتنا المتاحة، وأبعدنا هذا الخيار لهذه الأسباب، واستثنينا ذلك الخيار لتلك الأسباب، وبقي لنا هذا الخيار، من يدري ربما يقتنع الناس بأن ما قررتموه وإن كان مؤلماً إلا أنه فعلاً كما تقولون أهون الشرين، أو أنه الأفضل على المدى البعيد.

كل الحكومات التي تأخذ قرارات صعبة ومؤلمة بغض النظر عن صحة قرارها من عدمه تحرص على شرح وجهة نظرها وتشرك المواطنين معها بالتفكير وتتدرج معها في الإقناع وتبذل جهداً في ذلك إلا هنا، هنا ترمي الحكومة كرتها في الملعب وتنزل قرارها ببراشوت وتختبئ خلف الباب صامتة تسترق السمع، إنكم تسعون سعياً وتعملون بجهد للظهور بمظهر الجهة التي لا يهمها الناس أو جهة غير واثقة من قرارها.

ليس هذا فحسب بل اختياركم لطريقة وتوقيت طرح القوانين، دليل آخر ضدكم، يشي بسوء نية لا بحسنها، ليضيف بعداً آخر على جهة تخشى المواجهة وتخاف من الدفاع عن وجهة نظرها، ومن أشار عليكم بهذا الشور وضع في اعتباره كل الحسابات التي تساعد على تمرير القوانين عدا حساب صورتكم أمام الناس.

نتفق معكم أنه ليس المطلوب «نجومية» الحكومة وشعبيتها، إنما مطلوب من أي حكومة وبشدة أن تحرص لإظهار مدى احترامها لعقول من عينت لخدمتهم، لا بالتصريحات لا بالبيانات لا بالكلام، إنما بالفعل، بالاهتمام والحرص على تبني سياسية شرح وتبرير قراراتها للعموم لا للسلطة التشريعية فحسب، حتى من أشار عليكم بحزمة هذه القوانين لا بد أنه أشار عليكم بأهمية شرح وتبرير قراراتكم للمواطنين احتراماً لمن ستطبق عليهم.

إن كان أحد يقول لكم لا عليكم من الناس سيضجون ويتذمرون ومن ثم سينفذون وتمر هذه الزوبعة وينسون، لا يحسب حساب التراكمات ولا يحسب حساب أهمية بناء الثقة بين الأطراف في الدولة، وأعتقد أن الدروس من حولنا ومن واقعنا ومن تاريخنا تكفي لتعليم أي طرف.