«في كل مرة أفكر في ترامب، أشعر بالضياع»، هكذا لخصت عبارة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر مشاعر القلق والتوتر التي تنتاب الاتحاد الأوروبي، من أن يواجه الاقتصاد الدولي حرباً تجارية عالمية ضروساً، جراء القرار الجريء، وغير المسبوق، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يقضي بفرض رسوم إضافية بنسبة 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألمنيوم، من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك. ويبدو أن ترامب مصر على مواجهة حليفة أمريكا الأبدية، «القارة العجوز»، حيث لم يمضِ نحو شهر على قراره التاريخي، بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى الكبرى «5 + 1»، «أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا»، مع إيران في يوليو 2015، متجاهلاً ردود الأفعال الأوروبية المنددة بالقرار المفاجئ، حتى وجه الرئيس الأمريكي للأوروبيين ضربة قوية بفرض الرسوم التجارية الجديدة، ولم يعبأ ترامب بكون بلاده قد تبدو في موقف الدولة المعزولة عن الحلفاء التقليديين لواشنطن نتيجة توتر العلاقات بينها وبين الأوروبيين ومعهم كندا والمكسيك وقبلهم جميعاً الصين بطبيعة الحال. وإذا كان أول رد فعل للمفوضية الأوروبية على الرسوم الأمريكية قد تمثل في شكوى تقدمت بها أمام منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة، حيث نبهت المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم إلى أن «الولايات المتحدة تمارس لعبة خطيرة»، فيما نوهت الحكومة الألمانية إلى أن الرد على «أمريكا أولاً» سيكون «أوروبا الموحدة»، حيث غمزت من قناة شعار ترامب الذي ينادي به منذ حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، معتبرة أنه «لا رابح في الحروب التجارية»، إلا أن رد الفعل الكندي والمكسيكي ضد القرار المرتقب منذ شهرين وغير المسبوق في التاريخ الحديث للعلاقات بين أمريكا والحلفاء التقليديين كان قوياً ومؤثراً، حيث أعلنت أوتاوا فرض رسوم على ما قيمته 16.6 مليار دولار كندي «12.8 مليار دولار أمريكي» من المنتجات الأمريكية، في حين تعهدت المكسيك باتخاذ إجراءات مماثلة على منتجات أمريكية متنوعة من بينها بعض أنواع الفولاذ والفواكه والأجبان.

وربما هذا ما دفع ترامب إلى إعلان سعيه إلى إبرام اتفاقيتين تجاريتين منفصلتين مع كندا والمكسيك في وقت تتعثر المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الثلاث، حيث بدا الرئيس الأمريكي كمن يواصل تسديد الضربات القوية لاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا»، التي تجري إعادة التفاوض بشأنها بشكل متعثر بين أمريكا وكندا والمكسيك، حيث تخوض الدول الثلاث مفاوضات شاقة منذ أغسطس الماضي لتحديث اتفاقية التبادل الحر السارية منذ عام 1994، في حين لا يتردد الرئيس الأمريكي في توجيه انتقادات قاسية للاتفاقية حيث يعتبرها المسؤول الأول عن إلغاء العديد من الوظائف الأمريكية.

ولم تكترث واشنطن كثيراً بكونها بدت في عزلة خلال اجتماع وزراء المالية وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة السبع والذي انعقد مؤخراً في ويسلر غرب كندا، حيث انتهى الاجتماع دون إصدار إعلان مشترك نتيجة الخلافات الحادة بين الدول الست من جهة «بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، وكندا»، وأمريكا الدولة السابعة، من جهة أخرى. وسبقت المواجهة الأمريكية الأوروبية، تهديدات واشنطن للصين بأن العمل جارٍ على وضع الصيغة النهائية للعقوبات التجارية بحق بكين التي أُعلن عنها في مارس الماضي، على أن يتم الكشف عن التفاصيل خلال الأيام المقبلة.

لكن واشنطن تنهج في الوقت ذاته سياسة مختلفة تجاه بكين حيث تتأرجح بين التشدد والتساهل، وهذا يبدو جلياً في الإعلان عن هدنة في الحرب التجارية بعد تصريح وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين بشأن تجميد الرسوم على البضائع الصينية، بينما في المقابل، لوح البيت الأبيض باستعداده إطلاق حزمة كبيرة من العقوبات على بكين، تتمثل في فرض رسوم جمركية مشدّدة على واردات بقيمة 50 مليار دولار سنوياً من المنتجات الصينية، لذلك لم تجد بكين بداً من تحذير واشنطن من أنه لن يكون من الممكن التوصل إلى أي تسوية تجارية في حال مضت إدارة ترامب بفرض تلك العقوبات الجمركية. لكن واشنطن متمسكة بمجموعة من الإجراءات التي تطالب بها بكين ومنها فتح السوق الصينية أمام شركاتها ومنتجاتها، وخفض العجز في المبادلات التجارية مع بكين بنحو 200 مليار دولار خاصة وأن العجز بلغ 375 مليار دولار في 2017، إضافة إلى أن ترامب دوماً ما يندد بممارسات بكين التجارية «غير النزيهة»، منتقداً التنظيمات التي تشكل حواجز تحدّ من الاستثمارات الأجنبية ومن عمليات نقل التكنولوجيا التي تفرض على الشركات الأمريكية، لذلك سارع ترامب إلى انتقاد بكين على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، قائلاً «مع وصول العجز في ميزان تبادل السلع إلى 800 مليار دولار، فإن الولايات المتحدة تعرضت للخداع من قبل الدول الأخرى منذ سنوات».

* وقفة:

تعيش أوروبا صدمة كبرى جراء الرسوم الأمريكية الجديدة وسط مخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية تبدو فيها «القارة العجوز» ضعيفة في زمن دونالد ترامب!!