يكشف التاريخ عن قدم العلاقات الروسية الخليجية والتي تعود لارتياد الحجاج الروس جزيرة العرب منذ قرون، وفي ديسمبر 1901 زار الطراد الروسي فارياغ Varyag موانئ الخليج وهو في طريقه إلى الصين، بينما زارت السفينة الروسية اسكولد في ديسمبر 1902 عدة موانئ خليجية، ناهيك عن أن الموانئ الخليجية قد عرفت أيضاً تجار الجلود الروس قادمين عبر إيران. وبعدما سقط الاتحاد السوفيتي، عاد التقارب بين الطرفين. لكن ما هي أفق العلاقات الروسية الخليجية في هذه الأيام الحرجة؟!!

لطالما لاحظنا كيف أن الطرفين «الخليج العربي وروسيا»، قد حرصا على تكرار تطور العلاقات بين الطرفين وتميزها، فدول الخليج منفردة تعتبر روسيا شريكاً موثوقاً به منذ فترة طويلة، بحكم مواقفها الإيجابية من النزاع العربي الإسرائيلي. هذا إلى جانب توقيع دول الخليج للعديد من اتفاقيات التعاون والشراكة الاستراتيجية مع روسيا كخطوة داعمة للعلاقات، وكرافد لفتح قنوات الاتصال مع الروس في جميع القضايا الدولية، حتى وإن كان هناك بعض الملفات الاستثنائية الخلافية كموقف الطرفين من قضية سوريا، لكن ذلك لا يحول دون الإبقاء على خط الوصال سالكاً، لا سيما في ظل ما تتمتع به روسيا من أدوار فاعلة في الشرق الأوسط تمكنها من تحقيق ضمانات الاستقرار والسلام فيه.

على الصعيد الاقتصادي هناك تصاعد ملحوظ في بناء العلاقات واستثمارها، وسياحياً، لعل من اللافت للانتباه الحالة الغريبة التي تتمتع بها روسيا تحديداً، والمتمثلة في كونها البلد الوحيد الذي يزيد سياحه في الخليج عن سياحنا لديهم، والمثال البارز على ذلك التواجد الروسي في دبي، فالمجتمع الروسي في الإمارات أكبر مما هو عليه في بقية دول الخليج العربي، كما يعد الأكثر نشاطاً بالمقارنة مع بقية الروس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي الإمارات وحدها حوالي 25 ألف مواطن روسي، بالإضافة إلى 15 ألف شخص ناطق باللغة الروسية من بلدان الخليج الأخرى.

من الأمور الجديرة بالوقوف عليها في رحاب العلاقات الخليجية الروسية، أن الخليجيين شركاء للروس في مجال التسلح، إذ وقعت دول خليجية عدة عقود للحصول على أسلحة روسية خاصة في مجال الدفاع الجوي، وكان قراراً غير مسبوق أن تعلن الإمارات وروسيا في معرض الدفاع الدولي «آيدكس» لعام 2017 اعتزامهما المشاركة في تطوير مقاتلة روسية من الجيل الخامس. يأتي هذا إلى جانب التشديد الروسي على التزامها بتوفير أفضل مشاريع البحث والتطوير، حينما تؤكد الإمارات استعدادها لتمويل التطورات الروسية في المجال العسكري. يذكر أيضاً الدعم الإماراتي لتطوير أنظمة الدفاع الجوي الروسية بانتسير-إس1، وفي سنة 2016، كانت للإمارات مساهمة في رأس مال شركة «فيرتوليوتي روسيي» أي «مروحيات روسيا».

يضاف إلى تلك الأبعاد مجتمعة، بعد جديد دخل حيز التوافق الخليجي الروسي في الآونة الأخيرة، منبعه وجهات النظر المتشابهة بشأن معارضة الإسلام السياسي، في كل من روسيا والخليج ومصر وليبيا، والتقائهم جميعاً في نقاط مشتركة يجري تبادل المعلومات حولها.

* اختلاج النبض:

أفق التعاون الخليجي الروسي رحب، ويبدو مخرجاً مناسباً من الهيمنة الغربية، وأصبح من الضرورة بمكان البحث عن التوافق بين موسكو وعواصم الخليج، وإيجاد أرضية مشتركة للحوار حول أهم القضايا والصراعات في سوريا واليمن وليبيا ومكافحة الإرهاب.