هنا صورة من صور التناقض التي يعيشها أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة» والتي عليهم أن ينتبهوا لها جيداً لأنها تخسرهم كثيراً وتجعل العالم يتخذ منهم موقفاً. ينشرون بكل الوسائل أنهم يسعون إلى صالح الوطن وأنهم يريدون مصلحة المواطن ويدافعون عنه وأنهم لا علاقة لهم بالنظام الإيراني لا من قريب ولا من بعيد وأن كل الذي يقال في هذا الخصوص كذب يراد منه الإساءة إليهم، لكنهم في نفس الوقت يصدرون بياناً يدعون من خلاله «جماهير الشعب» إلى المشاركة في الفعاليّات التأبينيّة في ذكرى وفاة الخميني ويتقدمون بهذه المناسبة بأحر التعازي إلى المرشد الأعلى في إيران بينما يشارك المتواجدون منهم في إيران النظام الإيراني احتفاله بهذه المناسبة.

تناقض لا يمكن لعاقل القبول به، إذ من غير الممكن أن يقولوا إنه لا علاقة لهم بالنظام الإيراني وإنه لا يدعمهم ولا يهمه أمرهم وهم يحتفلون بذكرى تخصه ويفترض أنها لا تخصهم خصوصاً وأنهم يرددون أنهم «معارضة غير طائفية» وأن شأن الوطن فقط هو الذي يهمهم.

هذا الأمر يتأكد أكثر في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان حيث يدعون كما في كل عام إلى الخروج في مسيرة تضامن مع القضية الفلسطينية، ليس لأنهم متعاطفون معها ولكن لأن الدعوة إلى المسيرة جاءت من الخميني وأنه أوصى بذلك. والأمر نفسه يحدث فيما يخص التعليمات التي تصدر عن خامنئي حيث يعتبرونها أوامر وتوجيهات غير قابلة للمناقشة وأن عليهم تنفيذها.. ثم يأتون ويقولون إنه لا علاقة لهم بالنظام الإيراني!

وفي المقابل يردد النظام الإيراني باستمرار بأنه لا علاقة له بهؤلاء وأنه لا يدعمهم بأي شكل من الأشكال بينما هو يسخر فضائياته «السوسة» وكل ترسانته الإعلامية ورجاله لخدمتهم ولا يبخل عليهم بالمال وبالسلاح وبالتدرب على استخدامه في إيران وفي الدول التي صار لإيران فيها موطئ قدم وقرار، والأكيد أنه لا يبخل عليهم بـ»المستشارين».

من الطبيعي أن يقول هؤلاء إنه لا علاقة لهم بالنظام الإيراني وإنهم لا يأخذون منه أي شيء، ومن الطبيعي أن ينفي هذا النظام كل علاقة له بهؤلاء ويقول بأنه لا يوفر لهم أي شيء، لكن لأن للناس أعيناً وآذاناً وعقولاً لذا فإن من الطبيعي ألا يصدقوا ما يقوله هؤلاء وما يقوله هذا النظام، ومن الطبيعي ألا يثقوا في الطرفين، إذ لا يمكن لمجموعة تدعي أنه لا علاقة لها بالنظام الإيراني أن تستجيب لتوجيهات مرشده الأعلى وتنفذ كل ما يأمر به فتخرج في مسيرات لأنه يدعو إليها ويرسل إليه البرقيات المعبرة عن الولاء له في مختلف المناسبات.

أولئك الذين اعتبروا أنفسهم «معارضة بحرينية» دعوا إلى المشاركة في تأبين الخميني وشاركوا في هذه المناسبة، وسيدعون إلى المشاركة في مسيرة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان استجابة لوصية الخميني وسيشاركون فيها، وفي المناسبتين وغيرهما من المناسبات التي تخص النظام الإيراني يرسلون البرقيات إلى المرشد الأعلى للنظام ورئيسه، وفي كل الأحوال ينفذون ما يصلهم من أوامر وتوجيهات من النظام الإيراني، لهذا لا يمكن لأحد أن يصدق ما يقولونه عن عدم وجود أي علاقة بينهم وبين هذا النظام الذي يوظف كل قدراته وخبراته للإساءة إلى البحرين ويعتبر ما يقوم به واجباً عليه وحقاً، وهو ما أكد عليه خامنئي في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى رحيل الخميني حيث اهتم بالقول بأن النظام الإيراني سيواصل النهج ذاته وسيدعم كل «مقاومة» يقوم بها كل شعب «مظلوم».

اليوم لم يعد العالم يشكك في ما تقوله البحرين عن وجود علاقة أكيدة بين الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة» و»في ثورة» وبين النظام الإيراني الذي تفضحه تصريحات مسؤوليه ومواقفه.