تكثر الخطب والندوات الدينية ومجالس الذكر خلال الشهر الفضيل والمحظوظ من يسمح له وقته أن يحضر بعضها ليتعلم ويستفيد. وقد كنت -والحمد لله- من المحظوظين الذين حضروا محاضرة أقامها أحد المجالس الخيرة تحمل عنوان «راحة البال».

وقد بدأ المحاضر بذكاء بالحديث النبوي الشريف «من أمسى آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». فالحديث الذي رواه البخاري والترمذي، يهدأ النفس ويقلل من تأثير المشاكل والعثرات الصغيرة التي يمر بها الإنسان في حياته والتي قد تزعجه كثيراً على الرغم من أنها ليست مهمة إطلاقاً.

وشدد المحاضر على ضرورة الابتعاد عن كثرة الشكوى للبشر، فالشكوى تكون لله فقط والناس بطبيعتهم ينفرون من الشاكي، ووضح أن الشكوى لا تحل المشكلة بل تزيدها تعقيداً. كما طالب الحضور بالابتسام دائماً لما له من فوائد على الإنسان نفسه وعلى من حوله. فالابتسامة تخفف القلق الداخلي وتبعث الطمأنينة للمتلقي.

كما بين أهمية التسامح والتغاضي عن الإساءة قدر المستطاع، كي يرتاح الإنسان ويبتعد عن المشاكل. واختتم حديثه بمقولة عبدالله ابن المقفع «إذا أسديت جميلاً إلى إنسان فحذارِ أن تذكره، وإن أسدى إنسان إليك جميلاً فحذارِ أن تنساه»، كحكمة إنسانية تصلح لكل زمان فالإنسان المنان مكروه والإنسان الذي لا ينسى أفضال الغير عليه يصبح محبوباً ومقرباً.

أذكر كل ذلك عن أسس راحة البال لأنني أرى من حولي أناساً ابتلاهم الله بالهم والغم وكثرة الشكوى دون سبب سوى صغائر المشاكل والتعقيدات.

والأمثلة على عدم الرضا والتذمر على أتفه الأسباب وجحود الإنسان كثيرة، أذكر منها قصة رجل عاصرته كان قد حصل على وظيفة مرموقة في الخليج. وقد حصل على راتب سخي وسكن كبير واشتراك في نادٍ صحي خمس نجوم بالإضافة إلى بدل يغطي تكاليف مدارس الأبناء الخاصة.

لكن لم يتوقف هذا الرجل عن التذمر من الجو الحار في الخليج ومن الطبيعة الصحراوية الجافة للبلد الذي هو فيه ومن أمور أخرى مثل الزحمة وقلة مواقع الترفيه منذ أسابيعه الأولى. وفي شهوره الأولى طالب بزيادة فورية للراتب بعد أن شعر بأن الشركة التي تعاقد معها لا تريد الاستغناء عنه.

وهنا نجد تطبيقاً للجزء الثاني من مقولة ابن المقفع «وإن أسدى إنسان إليك جميلاً فحذارِ أن تنساه»، فالرجل الجاحد نسي بسرعة فضل الشركة التي أغدقت عليه الأموال والمميزات.

ومع استمراره على هذا الحال من عدم الرضا وكثرة شكواه التي سمعها القاصي والداني بالإضافة إلى مطالبته بالزيادة، قررت الشركة تسريحه والاستغناء عن خدماته. وظل في البلاد «الحارة التي لم تكن تعجبه»، لأشهر محاولاً إيجاد عمل بديل لكنه لم يوفق لأن الشركة كانت تعطيه راتباً كبيراً ومميزات كثيرة لم تستطع الشركات الأخرى أن تقدم نصفها مما جعله يعود من حيث أتى خائباً ومكسوراً.

لم يكن هذا الرجل حامداً شكوراً لهذا خسر وظيفته الممتازة وحياة الرفاهية التي عاشها وهناك مئات الآلاف مثله يجحدون نعم الله لا يعيشون راحة البال. فمهما أعطاهم رب العالمين بحثوا عن السيئ والسلبي وأغرقوا أنفسهم في النكد.

احمدوا ربكم على كل شيء، فالحمد والشكر أساس راحة البال.