طالعتنا بعض الأخبار المحلية مؤخراً عن حالات مؤسفة بدأت تطفو على السطح بشكل لافت -حتى ولو كحالات فردية بسيطة قد لا تصل لمستوى الظاهرة- ألا وهي حالات «الانتحار». ضحايا هذه الحالات كلهم من الشباب من الجنسين، ولربما يكون هذا هو السِّن المحتمل في الغالب للإنتحار ولأسباب ذكرها المختصون في مناهجهم العلمية لعل من أهمها هو وصولهم لمرحلة متقدمة من الشعور بالتعاسة العميقة المؤدية إلى الاضطرابات النفسية المختلفة، كما أن للفقر والبطالة وانهيار العلاقات الاجتماعية والعاطفية والدخول في دوامة الاكتئاب والمشاعر المحبطة إضافة لأمراض العصر المختلفة على كل الأصعدة الدور البارز في تفشي مثل هذه حالات الانتحار في مختلف دول العالم وليس في وطننا فقط. حتى لا تصل حالات الانتحار عندنا إلى مستوى «الظاهرة» في المستقبل المنظور، يجب علينا تدارك الأمر بمراقبتها ومتابعتها ومعرفة أسبابها وكل العوامل المساعدة بنمائها من أجل رسم استراتيجيات ناجعة للحيلولة دون تحولها إلى ظاهرة متفشية بين شبابنا وشاباتنا.

لا يمكن قبول وتقبل أن يموت أحد الشباب البحريني بسبب الانتحار، ثم نقوم بعد ذلك بدفنه في اليوم التالي دون وجود دراسة مستفيضة جداً لمثل هذه الحالات بشكل علمي وأمني واجتماعي واقتصادي. ففي الدول الغربية والمتقدمة حين تحدث حالة انتحار واحدة تعكف الدولة ومؤسساتها على معرفة الأسباب بشكل مفصَّل، فتقوم بعمل تحقيقات مكثفة مع ذوي المنتحر ومع كل أصدقائه وأقربائه وملاحقة كل المعلومات التي تخص الشخص المنتحِر كهاتفه المحمول وتتبع حساباته في المواقع الإلكترونية التي يرتادها لمعرفة عوامل الانتحار ودوافعه. إذ كل ذلك يجري من أجل معرفة أسباب الانتحار وما يقف خلفه من دوافع، سواء كانت أسباب ومسببات مساعِدة أو أشخاص لدراسة كل حالة على حِدة للوصول إلى نتيجة مقنعة.

نحن في البحرين وحتى لا تتطور حالات الانتحار البسيطة عندنا فتصل لمستويات عميقة يصعب بعد ذلك ضبطها ومعالجتها فإنه يتوجب على الجهات المعنية ومعها منظمات المجتمع المدني وكذلك المصحات الطبية والنفسية المختصة أن يقوموا جميعهم بعمل دراسات ميدانية وعلمية وبحثية واسعة وتتبع الحالات التي حدثت مؤخراً للوقوف على هذه المشكلة المؤرِّقة للمجتمع البحريني. من جهة أخرى يجب على الأسر البحرينية ومن هم في محيطها مراقبة شبابهم الصغار والوقوف على تلبية حاجاتهم النفسية والمادية والاهتمام بهم بشكل أكبر وإعطائهم مساحة أكبر من وقتهم وحياتهم لأجل احتوائهم وعدم تركهم عرضة للفراغ والإهمال ومناطق السوء لتجنب مثل هذه الأمراض النفسية الخطيرة. إن للأسرة الدور الأكبر في ضبط هذه العملية التربوية، فالاهتمام وإشباع حاجات الأبناء النفسية والعاطفية والمادية كفيلة أن تقضي على ما يسمى بحالات «الانتحار». فالاهتمام منذ البداية سيكون كالوقاية التي هي خير من العلاج.