للأسف البعض منا يرى أن انتهاء شهر رمضان يعني انتهاء فترة الصوم عن كل ما كان يمنع نفسه عنه خلال وقت الصيام ليعود إليه بعد فترة الإفطار وفق منهجية «بعد العشاء افعل ما تشاء»!!!

هناك للأسف منا من يهجر القرآن الكريم بعد انتهاء شهر رمضان لأنه يدرك فقط معلومة أن رمضان شهر القرآن لكنه لا يفقه أبداً معنى أن القرآن تجارة لا تبور، كذلك هناك من يتصدق يومياً في رمضان أما بعد رمضان فلا تسأله عن الصدقات وأجرها لأنه لا يعرفها إلا خلال هذا الشهر فقط، وستجده يتحاشى إخراجها للفقراء بقية شهور السنة، كذلك هناك من الشباب هداهم الله من يحرص يومياً على أداء جميع الصلوات في وقتها وفي المسجد، حتى بتنا نرى المساجد مزدحمة ولله الحمد خاصة خلال العشر الأواخر من رمضان، فيما بعدها يتقلص عدد صفوف المصلين الذين يملؤون المسجد لآخره إلى صف أو صفين بالكثير، حيث يعود إلى جدول يومه الذي يخلو من الحرص على أداء الصلاة في المسجد والانتظام في أدائها في أوقاتها، قال تعالى: «إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور* ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور».

البعض يتخذ من ليالي رمضان مساحة لإحياء عبادات الليل كصلاة قيام الليل وتلاوة القرآن والتسبيح والاستغفار لكنه يهمل كل ما سبق بعد العيد مباشرة! بل هناك من يحرص على عدم الاستماع إلى الأغاني أو مشاهدة البرامج التلفزيونية الهابطة أو تصفح حسابات مواقع التواصل الاجتماعي غير الهادفة والمليئة بالتفاهات طيلة الشهر الفضيل ثم يعود إلى سابق عهده في كل أمور اللهو.

تلك الأنفس نحسب أنها لم تتشرب روحانية رمضان بما فيه الكفاية لتفقه سراً من أسراره في أداء العبادات، فالله سبحانه وتعالى يقتطف الكثيرين قبل وخلال هذا الشهر المبارك ومده في عمرك وإطالته لحياتك لحكم عديدة أهمها أن رمضان الذي يمر عليك كل عام عبرة وفرصة لم تمنح لغيرك من الذين اليوم يرقدون في قبورهم خاصة الشباب الذين اقتطفت أعمارهم وهم في سن صغيرة، ونقطة الانطلاقة للتغيير وشطب وحذف وتجنب بعض العادات التي تشغلك عن عبادة الله، وإضافة وتفعيل وتحويل بعض العبادات إلى سلوك وعادة تضيفها لجدول أيامك وساعاتك.

أعجبني مقطع «مسج» متداول على الـ»واتساب» يقول عن رمضان: «لا تودعوه بل اسحبوه إلى باقي عامكم.. رمضان ليس شهراً بل أسلوب حياة وبداية التغيير.. لا تودعوه بل افسحوا له المجال ليحيا معكم وتحيوا به طوال العام.. الصوم لا ينتهي.. القرآن لا يهجر.. والمسجد لا يترك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.. كن ربانياً ولا تكن رمضانياً!».

نعم رمضان محطة التغيير وليس مرحلة مؤقتة من عمرك تلتزم فيها كل الالتزام ثم تترك وتهمل وتأخذك الدنيا عن أداء السنن وما يستحب بقية شهور السنة.. التصدق على الفقراء والمساكين من الصدقات المستحبة التي تبذل للتقرب إلى الله تعالى، صوم كل اثنين وخميس والأيام البيض من السنن المستحبة كذلك، وقد أثبت العلماء أن للصوم فوائد عديدة في تخليص الجسم من السموم وتجنب الأمراض وعلاجها، كذلك صيام ستة أيام من شوال من السنن المستحبة ولها أجر عظيم، حيث إن من صامها فله أجر صيام سنة كاملة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»، فإن كان جسمك قد تعود على الصيام لساعات طوال فلا تكسر فضل هذا التعود بعدم الثبات على ما رزقك الله إياه من تحمل وقوة وعزم بالعودة إلى موائد الطعام ونسيان فضل الصيام بعد رمضان، وإن رزقك الله الثبات والاستقامة والتعود على جدول للعبادات بشكل يومي تلتزم به فلا تركنه بعيداً عن أيامك ما بعد شهر رمضان وكأن شيئاً لم يكن!

أبواب السماء مفتوحة دائماً، والله يحب سماع صوت عبده وهو يدعوه، وهناك أوقات مستجابة للدعاء، لكن ليس معنى هذا أن الدعاء وقيام الليل مقرونان برمضان فقط حتى تخلوا المساجد بعدها وحتى تهجر المصاحف ممن يمارسون الاعتكاف وصلاة قيام الليل.. لا تقتلوا رمضان بداخلكم وأنتم تودعون أواخر أيامه، بل اجعلوا العيد الحقيقي هو عيد التغيير بداخلكم، واجعلوا أجواء رمضان الروحانية من عبادات وطاعات وأخلاق والتزام ترافقكم دائماً بقية شهور السنة، وكل عام وأنتم لله أقرب.