* مخاوف من دخول البلاد في فراغ دستوري وتشريعي بعد قرار المحكمة الاتحادية

بغداد - وسام سعد، وكالات

قررت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، الخميس إعادة فرز الأصوات يدويا في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في 12 مايو الماضي، في أعقاب شبهات بحصول عمليات تزوير، في إجراء يرجح أن يستمر لأسابيع، ويدخل البلاد في وضع غير مسبوق إذ إن ولاية البرلمان الحالي تنتهي نهاية يونيو الجاري. ورحبت كتل سياسية عراقية بقرار المحكمة الاتحادية والذي حسم الجدل الدائر حول شرعية نتائج الانتخابات التي جرت بالعراق في مايو الماضي، فيما تخوفت كتل أخرى من دخول العراق في فراغ دستوري بعد موافقة المحكمة الاتحادية على إعادة العد والفرز يدويا وهذا الإجراء يتطلب وقتا وان كان عمر البرلمان ينتهي أواخر الشهر الجاري، وسيلجا العراق دستوريا إلى حكومة تصريف أعمال محددة.



ويشير محللون إلى أن قرار المحكمة هذا لن يغير، إلا بشكل هامشي فقط، نتائج الانتخابات التي فاز فيها تحالف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع الشيوعيين، متقدما على قائمة "الفتح" التي تضم قياديين من قوات الحشد الشعبي الذي قاتل تنظيم الدولة "داعش"، فيما حل ائتلاف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ثالثا.

وقال رئيس المحكمة مدحت المحمود في مؤتمر صحافي "تجد المحكمة أن توجه مجلس النواب بإعادة العد والفرز، إجراء تنظيمي وليس فيه مخالفة لأحكام الدستور".

وكان البرلمان العراقي أمر في بداية يونيو بإلزام مفوضية الانتخابات بإعادة العد اليدوي للأصوات في الاقتراع.

وصوت النواب لصالح إلزام المفوضية بإجراء عملية تعداد جديدة يدوية في عموم البلاد لما يقارب 11 مليون صوت، إضافة إلى انتداب تسعة قضاة للإشراف على هذا الأمر بدلا من أعضاء المفوضية.

وفي هذا السياق، اعتبرت المحكمة في قرارها أن "القاضي المنتدب لا يجمع في نفس الوقت بين القيام بمهامه القضائية ومهامه في المفوضية (...) لذا فلا مخالفة مع أحكام الدستور".

من جهة ثانية، رفضت المحكمة الاتحادية قرار البرلمان بإلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين والقوات الأمنية، معتبرة أن ذلك "هدر للأصوات ومصادرة لإرادة الناخبين".

لكن المحمود أشار إلى أن النتائج التي "شابتها المخالفات كالتزوير وغيره والتي رفعت بشأنها شكاوى إلى المفوضية (...) فيمكن إرجاء إعلان نتائجها إلى حين البت فيها سلبا أو إيجابا".

وقد تستمر عملية العد والفرز اليدوي لأسابيع، أو أشهر ربما، في وقت تنتهي ولاية البرلمان الحالي رسميا في 30 يونيو.

وقال المحمود خلال جلسة النظر بالطعون المقدمة على التعديل الثالث لقانون الانتخابات إنّ "الجلسة البرلمانية الاستثنائية هي جلسة دستورية وإنّ الإجراءات المتخذة لإعادة العد والفرز هي إجراءات صحيحة"، مؤكداً "تأييد المحكمة للتعديل الثالث لقانون الانتخابات الذي أقره البرلمان في جلسته الاستثنائية".

وأضاف أنّ "المحكمة ترفض طلب إلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين وإقليم كردستان"، مبيناً أنّ "الإلغاء غير ممكن كونه سيكون هدرا لأصوات الناخبين"، مؤكدا "موافقة المحكمة على العد والفرز اليدوي لنتائج انتخابات الداخل والخارج".

من جانبه، اكد زعيم ائتلاف الوطنية د. إياد علاوي "كامل الاحترام والالتزام الخاص بقرارات المحكمة الاتحادية الخاصة بقانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات"، لافتا إلى أن "تلك القرارات وجهت ضربة قاصمة لإرادات التزوير والفساد".

وقال علاوي في بيان صحافي تلقت "الوطن" نسخة منه "ثقتنا عالية بقضائنا المستقل وبإدارته المهنية المستقلة لتصويب الانحراف الذي شهدته العملية الانتخابية سواء عن طريق إجراءات العد والفرز اليدوي أو عن طريق النظر بالكم الهائل من عمليات التزوير الذي شهدته واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المزورين وحماتهم".

وأعلن رئيس تحالف القرار العراقي أسامة عبد العزيز النجيفي "دعمه الكامل لقرار المحكمة الاتحادية العليا بخصوص الموقف من التعديل الثالث لقانون الانتخابات الصادر عن مجلس النواب، وما تضمنه قرار المحكمة من حرص على سلامة الانتخابات التشريعية وانسجامها مع أحكام الدستور".

ودعا النجيفي في بيان صحافي تلقت "الوطن" نسخة منه إلى "إحكام السيطرة على مناطق خزن الصناديق الانتخابية كافة تمهيدا لعمليات التدقيق لأنصاف إرادة الشعب وإعادة الثقة بالعملية السياسية وحرصا على حماية حقوق القوى السياسية الشرعية من التلاعب أو التزوير فضلا عن اتخاذ إجراءات قانونية سريعة ضد المتلاعبين والمزورين".

واكد الخبير في القانون الدستوري أحمد محمد العبادي أن "المحكمة الاتحادية ردت الطعون المقدمة فيما يخص التعديل الثالث لقانون الانتخابات"، مشيراً إلى أن "المحكمة أقرت بعدم دستورية إلغاء نتائج الانتخابات في الخارج وفيما يخص النازحين والتصويت المشروط".

وقال العبادي في تصريح صحافي إن "قرار المحكمة الاتحادية كان واضحاً جداً حيث رد الطعون المقدمة فيما يخص التعديل الثالث لقانون الانتخابات".

وأضاف أنه "أقرت المحكمة بعدم دستورية إلغاء نتائج الانتخابات في الخارج وفيما يخص النازحين والتصويت المشروط الخاص بالمستشفيات والسجون وغيرها حيث ألغت المحكمة هذه الفقرة واعتبرتها غير دستورية وعاملتها معاملة الانتخابات العادية، بحيث أصبحت جميع هذه الانتخابات تخضع للعد والفرز حالها حال كل النتائج الانتخابية السابقة".

من جهته، قال رئيس الجبهة التركمانية العراقية النائب ارشد الصالحي إن "قرارات المحكمة الاتحادية العليا جاءت ملبية لتطلعات ومطالب أهالي محافظة كركوك من المتظاهرين والمعتصمين"، معتبرا أن "القرارات تاريخية ومنصفة لمطالبنا".

وقال الصالحي في بيان تلقت "الوطن" نسخة منه أن "قرار المحكمة الاتحادية بشأن عدم إلغاء انتخابات الخارج والتصويت الخاص إلا إذا ثبت فيها تزوير جاء متطابقا أيضا مع تطلعات الشارع العراقي"، داعيا في الوقت ذاته "القضاة الذين يشرفون على العد اليدوي إلى ضرورة انتداب خبراء في المجال التكنولوجي".

واعتبر عضو مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات سعيد كاكائي "قرارات المحكمة الاتحادية بشأن رد الطعون المقامة ضد تعديل قانون الانتخابات انتصارا باهرا لإرادة الشعب العراقي".

وقال كاكائي في بيان تلقت "الوطن" نسخة منه إنه "كلي شرف واعتزاز أن أرحب بقرار المحكمة الاتحادية حول التعديل الثالث لقانون الانتخابات، وأتبره انتصارا باهرا لإرادة الشعب العراقي الذي رفض التزوير الحاصل في انتخابات مجلس النواب".

وأضاف كاكائي أنه "أعلن جهارا بقانونية العد والفرز اليدوي وذلك بعلمي وبوثائق دامغة إجراءات غير قانونية وتزوير فاضح من قبل أغلب أعضاء مجلس المفوضين وبعض مدراء المكاتب الغير نزيهين وخاصة في مكاتب الإقليم وكركوك ونينوى والأنبار وبغداد وصلاح الدين".

فيما اعتبر القيادي في تحالف الفتح الانتخابي عامر الفايز "موافقة المحكمة الاتحادية على العد والفرز اليدوي ستدخل العراق في فراغ دستوري".

وقال الفايز في تصريح صحافي إن "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي اصبح نافذا بعد رد المحكمة الاتحادية الطعون المقدمة على القانون"، مبينا ان "إعادة العد والفرز يدويا يتطلب وقت مما يؤدي إلى تأخير تشكيل الحكومة".

وأضاف الفايز أن "عمل مجلس النواب الحالي ينتهي أواخر الشهر الحالي وبالتالي سيدخل العراق في فراغ دستوري والاتجاه نحو حكومة تصريف أعمال محددة".

وأشار إلى أن "القضاة المنتدبين وعدوا بتكثيف عدد الموظفين للانتهاء من عمليات العد والفرز اليدوي خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما".

وأكد النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني بيستون زنكنة أن "موافقة المحكمة الاتحادية على قرار البرلمان بإعادة العد والفرز اليدوي سيدخل العراق في فراغ دستوري".

وقال زنكنة في تصريح صحافي ان "قرار البرلمان بإعادة العد والفرز اليدوي سيسبب العديد من الإشكالات كون إكمال هذه العملية يجب أن يتم خلال 15 يوما أي قبل انتهاء عمر البرلمان والحكومة التي تنتهي دستوريا في 30 يونيو الجاري، وهنا يجب تشكيل حكومة جديدة قبل هذه الموعد وبعكس ذلك سيدخل العراق في فراغ دستوري".

واعتبر رئيس اللجنة القانونية النيابية محسن السعدون أن "قرار المحكمة الاتحادية بشأن الانتخابات يعقّد العملية السياسية أكثر"، محذرا من أن "البلد سيدخل في فراغ قانوني ودستوري بسبب إعادة العد والفرز اليدوي".

وقال السعدون في تصريح صحافي إن "قرار المحكمة الاتحادية عقّد العملية السياسية اكثر في العراق، وعلى الرئاسات الثلاث إيجاد حل لهذا الوضع المعقد".

وأشار إلى أن "عملية العد والفرز اليدوي ربما تطول لأكثر من أربعة شهور وعمر البرلمان لم يتبقى منه سوى أيام، وبذلك سيدخل العراق في فراغ قانوني ودستوري وستكون الحكومة بدون رقابة وتصبح حكومة تصريف أعمال".

وأضاف السعدون أن "قرار المحكمة الاتحادية جاء مؤيدا للتعديل الثالث الذي اقره البرلمان وخاصة في اعادة العد والفرز اليدوي في عموم العراق، ورفضت إلغاء أصوات البيشمركة في كردستان وأصوات النازحين والخارج والحركة السكانية إذا لم يثبت فيها التزوير".

وشدد على أنه "يجب التأكيد على فقرة عدم إلغاء الأصوات لان إلغاء أصوات الناخبين ليس من صلاحية مجلس النواب وهي مخالفة للمادة 61 في الدستور العراقي".

وأكد السعدون أن "قرارات المحكمة الاتحادية قطعية ولا يمكن الطعن بها وهي ملزمة للجميع".

من ناحية أخرى، أوضح الخبير القانوني حيدر الصوفي أن القرار لن يؤدي إلى "تغيير كبير. قد يحدث تغيير في ثلاثة إلى أربعة مقاعد داخل كل كتلة، لكن يبقى أن الكتل التي تملك أربعين إلى خمسين مقعدا لا يمكن لها تشكيل حكومة وحدها دون تشكيل تحالف".

وشكّل عراق ما بعد صدام حسين نظامه السياسي بطريقة معقّدة تفرض قيام تحالفات برلمانية لمنع عودة الديكتاتورية والتفرّد بالحكم.

وعقب كل انتخابات تشريعية تدخل الكتل الفائزة في مفاوضات طويلة لتشكيل حكومة غالبية.

وقبل قرار المحكمة، أعلن زعيما القائمتين الانتخابيتين اللتين تصدرتا نتائج الانتخابات التشريعية في العراق، بصورة مفاجئة تحالفهما في ائتلاف حكومي لقيادة البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة.

ولفت الخبير القانوني طارق المعموري إلى أن التغيير إن حصل بعد الفرز اليدوي، سيكون في المناطق السنية والكردية.

وقال المعموري إن "العد والفرز اليدوي فيه مجال أكثر بكثير للتزوير من العد الإلكتروني لكن نحن نثق بالقضاء أكثر من المفوضية".

وأضاف "إذا أدار القضاة العملية بكفاءة، أتوقع تقلص التزوير بنسبة كبيرة جدا".

ورأى المعموري أن "تصويت الخارج لن يغير شيئا إذ أنه يشكل فقط 3 % من مجموع الأصوات"، مشيرا إلى أن "العد والفرز لأصوات النازحين الذي جرى خصوصا في محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل، سيغير النتائج في عدد من المقاعد".

وتابع أنه "في إقليم كردستان أيضا، سيخسر الاتحاد الوطني الكردستاني كثيرا، لأنه أكثر المستفيدين من التلاعب".

وفي محافظتي السليمانية وكركوك، معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فإن أحزابا عدة، وخصوصا حزب غوران "التغيير"، عارضت نتائج الانتخابات.

ورغم أن عملية الفرز اليدوي قد تستغرق وقتا طويلا، يقول المعموري "لن يكون هناك فراغ دستوري، بل فراغ تشريعي فقط، إذ أن الحكومة الحالية ستواصل تصريف الأعمال".

وشهدت الانتخابات نسبة مقاطعة قياسية مع تجاهل العراقيين للنخبة السياسية التي تحوم حولها شبهات الفساد وحكمت البلاد منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2013.

وعقب صدور النتائج، احتجت شخصيات سياسية نافذة موجودة في السلطة منذ سنوات، وطالبت بإعادة الإحصاء والفرز أو إلغاء نتائج الانتخابات، منتقدة بصورة خاصة استخدام التصويت الإلكتروني لأول مرة في البلد.