خلال زيارتي مع عائلتي للأهل والأصدقاء بمناسبة عيد الفطر المبارك، لاحظت انشغال أبنائي وأبناء الأسر الأخرى طوال فترة الزيارات بأجهزتهم الذكية.. وعدم استمتاعهم بأحاديث المجلس.. إضافةً إلى أنه أثناء طريق العودة إلى المنزل لم أسمع لأبنائي أي صوت وكأنهم ليسوا معي بالسيارة.. لألتفت على ضحكات ابني البكر فسألته: ما يضحكك؟ ليرد علي باستغراب أضحك مع فيديو باليوتيوب يا أمي...!!

واستكمالاً للمشهد العائلي.. وبعد وصولنا للمنزل.. فإذا كل منا على جهازه الذكي.. فمنا من يشاهد «الواتساب».. ومنا من يتابع «السناب شات».. ومنا من يتفاعل مع «الإنستغرام».. ومنا من يغرّد على «تويتر».. وهكذا.. ما الذي يحدث؟؟ كم من أسرة يتكرر عندها يومياً نفس هذا المشهد الصامت مع الأجهزة الذكية؟ لمَ لمْ تعد جلسات العائلة العصرية تنعم بالنقاش والألفة التي كانت عليها قبل أن تجتاح الأجهزة الذكية المحمولة عالم الكبار والصغار؟ وكيف سيتعلم أبناؤنا فن الحديث والحوار إذا بات هذا هو الحال؟؟

إنَّ ظهور وسائل التواصل التكنولوجية الحديثة أحدث طفرة في المجتمع.. ونتجت عنه سلوكات مختلفة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فبعض الناس ترى أن تأثير التكنولوجيا على المجتمع يرجع إلى كيفية استخدامها.. ويرى بعض آخر أنه على الرغم من إيجابيات وسائل الاتصال الحديثة فإن سلبياتها طغت على إيجابياتها.

لفترة طويلة ظلت الأسرة والمدرسة تلعبان دوراً أساسياً في تكوين مدارك الطفل وثقافته.. وتسهمان في تشكيل القيم والأخلاق التي يتمسك بها ويتخذها مقوماتٍ للسلوك الاجتماعي.. بما فيها علاقات الآباء بالأبناء. أما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى الأجهزة الذكية.. الأمر الذي حل محل الحوار والمحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة، وأدى إلى اتساع الفجوة والصراع بين الآباء والأبناء.

لقد أفرزت هذه التحولات التكنولوجية تفاعلات جديدة للعلاقات الأسرية، وأدت إلى تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها.. وتلاشي قيم التواصل الأسري.. إلى جانب أن استبدَلَ الأبناء الأجهزة الذكية بآبائهم، كمصدر للمعلومات.. وفقدوا الترابط الأسرى والتصقوا بالحوار مع الغرباء.. إلى درجة الشعور بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة.

إن المسؤولية تبدأ هنا.. من البيت نفسه.. وبدوري كتربوية.. أناشد كل أم وأب قبل أن ينغمس أبناؤكم في العالم التكنولوجي الحديث.. يجب أن يتعلموا كيف يتعاملون معه.. وأن تكونوا مشاركين لهم في كل أنشطتهم، والاهتمام بالحوار والنقاش معهم.. وأن تقوم العلاقة بين الأبناء وبينكم على الإقناع والحجة.. وليس على الأمر والنهي.. إضافة إلى مشاركة الأبناء في اهتماماتهم وجعلهم يشعرون بقيمة وجودهم كأعضاء فاعلين في الأسرة.. وإلى تحصينهم بالقيم والأفكار القيمة منذ نعومة أظفارهم.. وإذكاء روح النقد والاختيار الحسن لما يتعرضون له.. حتى لا يكونوا هدفاً هيناً لكل فكرة غير صحيحة أو سلوك غير سوي..

ويجب ألا تترَك الأجهزة في الحجرات المغلقة.. وأن توضع في الأماكن المفتوحة أو أماكن المعيشة.. حتى يكون هناك نوع من الرقابة للأبناء.. كي لا تتاح لهم الفرص سانحة للقيام بسلوكات سيئة بعيداً عن أعين الآباء.. وألا نغفل عن دور المدرسة في التوجيه والتوعية والإرشاد.. عن طريق برامج الطابور الصباحي ومجالس الطلاب ومجالس الآباء والأمهات.. ودور المؤسسات الإعلامية بتأثيرها القوي.. عن طريق البرامج الإذاعية والتلفزيونية لنشر التوعية الشاملة بمخاطر فضاء الإنفوميديا والتكنولوجيا الحديثة على الأطفال والشباب.

ومن الأمور المثيرة للدهشة والتي تدعو إلى التأمل والوقوف ملياً أمامها.. أن بيت ستيف جوبز «أبو التقنية الحديثة» كما يطلق عليه.. وأحد أقطاب الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس السابق لمجلس إدارة شركة أبل.. والذي استطاع أثناء إدارته للشركة وقبل وفاته أن يخرج للنور كلاً من جهاز الماكنتوش «ماك» بأنواعه.. وثلاثة من الأجهزة المحمولة وهم: آيبود، آيفون، وآي باد.. يخلو بيته من الألعاب الإلكترونية.. فحينما زاره وفد من الصحافيين كان في ظنهم أن منزله ممتلئ بالأجهزة التي اخترعها.. وإذ بالمفاجأة -التي أرجو أن يتأملها كل أب أو أم أو مرَبّ- لم يجدوا جهازاً واحداً من هذه الأجهزة.. فلما سألوه: وكيف يلعب أبناؤك إذاً؟ رد عليهم: أُفضل الجلوس مع أبنائي على كتاب!!

إن تربية الأبناء - من وجهة نظري الخاصة - ليست بحاجة إلى أجهزة ذكية حديثة وغالية الثمن وذات تقنية عالية.. بل هي بحاجة إلى أب تجتمع حوله العائلة.. وأم تلملم هذه العائلة بحبها وحنانها ورحمتها.. ليستظل أبناؤهم في بيت رصين.. قوي الأساس.. مليء بالحب.. وحبل متين من العلاقة الأسرية القوية التي تتجذر بينهم على مر السنين.