من الأساسيات التي يجب الأخذ بها قبل إعداد وتجهيز القوى العاملة لاقتصاد دولة قائمة على المعرفة هو الاعتراف بالتعلم المسبق. فليس من المعقول أن تبني أو تنشئ ما هو موجود أصلاً لمجرد العمل بقوانين آن لها التجديد. إن تغير مخرجات قطاع التعليم بتطبيق نظم قديمة لا تواكب متطلبات الرؤية ولا العصر الحديث أصبح أمراً آن الالتفات له. ففي الفترة التي تم تدشين الرؤية الاقتصادية 2030 كانت المملكة في أوج حماسها تتطلع للمستقبل بعينين جريئتين مقدامتين على كل ما هو جديد وموائم للرؤية والدليل على ذلك مبادرات التعليم المميزة التي أحدثت تغيراً واضحاً منها إنشاء هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب والتي بدورها قامت بتطبيق الأطر والنظم التي استحدثتها لتساعد على تحسين جودة ما يقدم في المملكة وتطوير الخدمات والممارسات التعليمية، كذلك إنشاء بوليتكنك البحرين التي برزت في فترة قياسية وبشكل متميز عن طريق خريجيها الذين يمتلكون من المهارات والمعارف والقيم ما يحتاجه سوق العمل. ودور تمكين البارز في توفير الفرص التدريبية والاحترافية للشباب بما يلائم متطلبات سوق العمل وغيرهم من المبادرات التي أحدثت دوياً عند انطلاقها. لكن مع انخراط المؤسسات فيما هو روتيني وفقدهم لشعلة الحماس انجرفوا إلى ما هم معتادون عليه، بل فقدوا جرأة البداية وانسابوا في قنوات القوانين من دون محاولات جادة لاكتشاف ما هو جديد وتطبيق ما يمكن أن يحسن من التعليم ويجعله أداة لتطوير الاقتصاد.

منذ فترة وجيزة استمعت لكلمة ألقاها السيد خالد الرميحي، الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية في فعالية نظمتها الكلية الملكية للجرّاحين تحت شعار متطلبات سوق العمل ومهارات القرن الحادي والعشرين، حيث شد انتباهي ما قاله السيد خالد عندما طلب من المعنيين وصناع القرار الأكاديميين في القاعة الانتباه لموضوع المدة التي يستغرقها الطالب في رحلته الأكاديمية ما بعد المدرسة التي قد تستغرق أكثر من 5 سنوات أحياناً، وأكد أن هذه العملية بطيئة جداً وتحتاج الكثير من الوقت مما يؤثر سلباً على إعداد القوى العاملة في الوقت المناسب، كما شدد على تبني أساليب ونظم عالمية أثبتت فاعليتها في الدول المتقدمة والتي تهدف إلى تنمية الموارد البشرية والتأكد من جاهزية الخريجين بالقدرات والمهارات المطلوبة من قبل سوق العمل في زمن قياسي. وهنا بدأت أسترجع ملاحظة كانت تراودني بين حين وحين «ما الذي يمنعنا من وضع نظام متكامل يقيم فيه الطالب على التعليم المكتسب خارج الفصل الدراسي». بلا شك أن هذا النظام سيعجل من إعداد القوى العاملة في الوقت المطلوب. إن الاعتراف بالتعليم المسبق يتطلب توفير أدلة كافية على قدرات وكفاءة الشخص المتقدم والتي يمكن استخلاصها من أي جانب من جوانب الحياة المهنية أو الشخصية وبطرق التقييم العلمية بالطبع. إن الكثير من دول العالم طبقوا هذا النظام وذلك بغرض تفادي إعادة ما هو مكتسب سابقاً. وماليزيا تعتبر دولة من الدول التي طبقت هذا النظام بشكل شامل ودقيق وباستطاعتنا الاستفادة من هذه التجربة أو غيرها من التجارب التي أثبتت جدارتها.

إن مبدأ الاعتراف بالتعلم المسبق ليس بجديد على المعنيين في المملكة فالكثير من الجهات المختصة كهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب وغيرها من مؤسسات التعليم العالي كـ»البوليتكنك» تناولوا الموضوع في الكثير من المنتديات والمؤتمرات والمحافل العلمية لكن ليست هناك خطوات جادة وواضحة لتبني الفكرة ودراسة الموضوع، كما أن المملكة لا تنقصها الخبرات في هذا المجال، فهناك الكثير ممن يستطيعون وضع نظام متكامل يتناسب مع احتياجاتنا. والسؤال المطروح هنا «أما آن الأوان أن نتعامل مع الموضوع بشكل موضوعي وجاد؟».

* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين