الفنون بمختلف أنواعها المسرحية والتشكيلية والأدبية وغيرها من الفنون تمثل أصالة ثقافة المجتمع وتراثه ولذا يقول الشاعر العالمي غوته: «أن من يعرف نفسه والآخرين، سوف يدرك أن الشرق والغرب لا يمكن أن يفترقا بعد». هذا ما كتبه يوهان فولفغانغ غوته عام 1819 في ديوانه الشعري «الديوان الغربي - الشرقي».

لقد تجاوز الفن هذه الأيام صفاته الذاتية المحلية، وأصبح ينظر إليه بأنه يمتلك السمة العالمية التي تتخطى مفهوم المكان لتتجاوز الحدود الجغرافية، ويصبح الفن عابراً للحدود. ولذا جاء استقبال عاهل البلاد المفدى للرسام الروسي نيكاس سفارنوف حيث قام الفنان الروسي بإهداء جلالة الملك لوحات فنية ويجسد هذا الموقف تقدير عاهل البلاد المفدى للفنون بمختلف أنواعها وأنها لغة التواصل بين الشعوب وخاصة أن مملكة البحرين احتضنت الفن والفنانين منذ قديم الزمان ولاتزال.

إن الفنونَ عموماً هي من الأدواتِ التي تستعين بها الحضاراتُ كي تستمرَ وتدومَ، وهي وسيلةٌ تبين مدى ما وصل إليه المجتمع من تطور ونموٍّ يتماشى مع أمم العالم أجمع. فمنذ الخليقة والناس يعملون على تتبع الحضارات المختلفة وآثارها وما خلّفته من فنون، واكتسبنا من ذلك التتبع المعلومات الكثيرة عن حياة شاغلي هذه الحضارات، فعرفنا المعلومات عن أساليب حياتهم اليومية وعن جماليات ثقافتهم الفنية وعلى فنونهم المختلفة الراقية التي عملت دوراً فاعلاً في التأثير في مجتمعاتنا وأسلوب الحياة فيها، فالفنون مفتاح التعرّف على حضارات الماضي، حيث يعلمنا فن كل حضارة عن حقبتها التاريخية وما وصلت إليه من تطور وازدهار. ولاتزال الفنون في الزمن المعاصر محوراً أساسياً من ثقافة الحياة، خاصة وأن مفهوم الإبداع لم يعد مقتصراً على قلة، إذ بات مطلوباً من الجميع في شتى مناحي الحياة. والإبداع في إطار الفنون البصرية بأجمعها يتطلب أكثر من الموهبة، فما يميز المخترع عن العالم، والأديب عن الكاتب، هو الاستزادة من المعرفة والمثابرة والصبر. وعليه فإن ما يميز الفنان عن الرسام هو سعة أفق الأول الذي يتجاوز بإدراكه ومخيلته حدود العالم المحيط به، وبالتالي تجاوز اللوحة التي يرسمها حدود محاكاة ونسخ الطبيعة.

إن الفنونَ خيرُ سفير بين الثقافات، وهمزه الوصل والتطور الحقيقية بين الشعوب وجسر الثقافات، يعبر عن طريقه الأعمال الإبداعية المختلفة، فقد استطاعت أن تتخطى حواجز اللغة والأنماط السائدة لتعزيز التفاهم بين الشعوب، وهذا يؤكد أهمية الفنون في تقارب الشعوب، ويرسل رسالة إلى العالم مفادها الوسطية والاعتدال واحترام الآخر وتقبله.

فالفنون بمختلف أشكالها وأنواعها كالموسيقى والسينما والمسرح والتصوير والنحت والعمارة، على اختلاف مستوياتها وتنوّع أصولها، أدّت دوراً هاماً في تقارب الشعوب، وحتى في أثناء الحروب كانت الفنون محط تقدير وتقديس، لأنها من أسمى القيم، وهي الكفيلة بتحقيق الحوار الثقافي بين الحضارات لنبذ كل ما يمت للعنصرية والتمييز العرقي أو الطائفي أو المذهبي.