* كالنقش في الحجر أحببت تلك الصفات التي ترعرعت في ظلالها منذ الصغر.. أحببت أن أعايش أفرادها وأرافقهم لحظة بلحظة في طريق الحياة.. صفات أحب أن تخلدها الحياة لأفراد يعيشون من أجل مبادئ سامية تتوارثها الأجيال، ويصنعون معها قصة جميلة واضحة المعالم يشار إليها بالبنان.. عندما نتحدث عنها فنحن لا ندعي الكمال، ولا ندعي أن نفوسنا المقصرة ملتزمة بها، أو تتطبع بها في غالب الأحيان.. ولكنه الأثر الذي شاهدناه في كل ميدان حطت فيه رحالنا، وفي كل بقعة مشت عليها أقدامنا.. لذا هي صفات أحببتها.. ومازلت أحبها لأنها تعطيني المتنفس لحياة شاملة واضحة مليئة بعوالم الخير وبصماته المؤثرة.. قد يكون بعضها يشتت الذهن ويجرح الأحاسيس.. ولكني كتبتها بصورة مقلوبة أستفيد من الوضع المعاكس لها في واحة الحياة..

* أشكر كل من أقابله، وكل من أعمل معه.. لأنه بالفعل ينبهني إلى إشارات عاجلة في مسيرة حياتي، كان لا بد من الالتفات لها قبل فوات الأوان.. فكل شخصية تتعامل معها إنما تصدر منها إشارات تنبه غفلتك.. لذا أشكرها ولا تكيل لها الصاع بصاعين.. لأن في نهاية المطاف لا تقوى على إضعاف العلاقة معها.. لأنك مستمر في التعامل معها شئت أم أبيت بأسلوب تحدده بنفسك.. وفي نهاية المطاف ستكون أنت الحكم فلا تنزعج.

* لا يفسر المواقف بتفسيره الشخصي، ولا ينتصر لنفسه في كل موقف.. ولا يتفحص كل من أمامه.. يتعامل بحب.. ويتمنى الخير لغيره كما يتمناه لنفسه.. لا يعتبر أي تصرف يحدث أمامه نقيصة أو استهزاء بشخصيته.. بلا يعده تجربة حياتية جديدة.. يا جمال مثل هذه الشخصيات المريحة.

* لأنها تحبك فلا ترضى عليك.. تنزعج من أي وخزة ألم قد تصيبك.. وتنزعج من أي تيار قد يجرح مشاعرك.. فإن فكرت أن تخرج في نزهة حياتية سارعت إليك لتكون معها تتذاكرا معاً أحداث الحياة وهوامش المسير.. وإن قررت أن تكون ذلك الفارس المعطاء في دروب الحياة فإنها تسارع لتجعلك شريكاً معها في الأجر.. همها أن تتعاونا على الخير، وأن تصل إلى مسامع كل واحد منكما كلمات الخير.. فلا يقبل أي طرف أن يبتعد الآخر عنه مهما دارت الأيام.

* من طيبة قلبه وأخلاقه الرفيعة تراه دائماً يتحسس مشاعر الآخرين، وبالأخص مشاعر من أحبهم.. فإن حدث ما يسرهم شاركهم الفرح.. وإن حدث ما يزعجهم خفف عنهم وواساهم ووقف معهم وذكرهم بالله عز وجل.. وذكرهم بالطمأنينة والسكينة والتفكير فيما عند الله تعالى.. أولئك من تعض عليهم بالنواجذ.

* «أنزلوا الناس منازلهم» فلا يستوي الصغير مع الكبير، والجاهل مع العالم، ولا المسؤول مع المرؤوس.. وإن شاع في علاقتهم الحب والوئام.. فإن «الاحترام» وإنزال الناس منازلهم ستكون الصفة المهمة في كل تصرف.. فلا تعكس عن نفسك صورة مزعجة أو غير معتبرة أمام الآخرين.. فإنك بذلك قد خسرت نفسك أولاً وخسرت علاقاتك، وانمحت تلك الفضائل التي شاهدوها في شخصيتك في أيام مضت.. أنزل الناس منازلهم حتى وإن أخطأ في حقك الكبار.. فبادر إلى الأخذ بخاطرهم والتودد إليهم.. حتى تكبر صورتك في ذهنهم.. ويرتفع قدرك.. فإنك أولاً وأخيراً تفكر في الأجور الخالدة، ولا تفكر في دنيا البشر.

* المبادرة بأعمال الدنيا أمر مهم وفيه سعة، والاستمتاع بالدنيا وزينتها في حدود المعقول، فإنما خلقنا من أجل أن نمحص للآخرة ونستعد ليوم الرحيل الذي يجب أن نراه قريباً أمام أنظارنا.. لذا فالمرء مطالب أن يكون سعيداً في كل لحظاته، ويعيش عيشة هانئة مع كل من يحب.. لأنه على يقين سيفارق الحياة عاجلاً أم آجلاً.. فهو في الوقت ذاته يعمل لآخرته دون أن يحس، بصفاء نيته والتزامه منهج الله سبحانه وتعالى. فعش بفرح وأفرح قلبك بصالح عملك حتى تلقى الله بنفس مطمئنة.

* لا تتعب نفسك كثيراً مع أولئك «المزعجين» الذين لا هم لهم إلا أن يعكروا عليك صفو حياتك، ويطعنون بخنجرهم المسموم كل نجاح تحققه على أرض الواقع.. فلا هم لهم إلا «الشكوى» وتصيد الأخطاء.. فلا ينظرون للنجاح.. والمباركة به.. بل ينظرون للصغائر والتوافه التي تجعلهم في «حيص بيص»! لا تكن مثلهم.. بل انظر للنجاح وبارك لكل من يحققه.. وأرسل رسالة جميلة رقيقة تشكر من تحب.. وإن استطعت فأسمعه من صوتك الحنون.. حتى يسعد بلقياك في كل حين.. امسح من حياتك تلك الأسماء المزعجة فلم تعد بحاجة إليها، لأن حياتك قد امتلأت بجوانب الخير مع شخصيات لها الأثر الكبير في نفسك، أحبتك ومشت معك في ركاب الخير.. امسح الأسماء المزعجة لأنها ستظل تزعجك بشخصياتها المتمرسة على حب «النقد اللاذع» وتتبع العثرات.

* مما كتبت: في أول يوم من طلائع مستقبلكم الباهر تزلزلت نفسي بمشاعر حبكم، ونقشت على جدران حياتي أجمل صور المحبة، فلم أمل إطلاقاً من ابتسامة أتبادلها معكم، ولم أتضجر يوماً ما بواحة التعليم الوارفة التي أعطتني الكثير وأعطيتها كل ذرات همتي وعطائي.. شحذت عزيمتي من أجل أن أصنع جيلاراقيا بأفعاله وأقواله، لأني كنت أؤمن بالتربية قبل التعليم.. لذا لم أنصهر إطلاقاً في تلك المعلقات الرتيبة التي لا تحقق متعة لأبنائي.. بل انتقلت سريعاً إلى «لعبة الأخلاق» والقدوة، أسبغ فيها ثوب السعادة والسرور في كل لحظة من لحظات حياتي.. كنا نمرح ونمضي إلى فناء الحياة نعزف ألحان الطفولة الرائعة.. وكنت أحلم بملوك يتربعون على عرش الأخلاق ويشعلون في الآخرين شعلة الخير والعطاء في الوطن.. فهل يا ترى حققت مرادي؟

* ومضة أمل:

كن على ثقة يا بني بأن كل ما تعلمته وعشناه معاً.. ستظل ظلاله الوارفة معك في «مسير حياتك» بفضل الله ورعايته.. فلا تبتعد عن طاعة الإله فهي الحصن الحصين لحياتك.. وإن أثقلت عليك بكلمات النصح والتوجيه.. فليس من أجلي.. ولكن من أجل أن أراك يوماً ما.. ذلك الفارس الهمام في بيداء الحياة.. فاحذر من لدغات الحياة وداء الغفلة.