مرت الآن خمس سنوات على ثورة 30 يونيه 2013 التي تعد علامة فاصلة في تاريخ مصر الحديث. ولقد أثارت ثورة 30 يونيه عدة تساؤلات هل هي ثورة أم هي انقلاب؟ وقد ذهب بعض المفكرين والسياسيين الغربيين لمقولة إنها انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب انتخاباً حراً ونزيهاً لأول مرة في تاريخ مصر. ولعل في مقدمة هؤلاء السياسيين رئيس وزراء فرنسا الأسبق دومنياك دي فولبان وهو دبلوماسي مخضرم تحول لسياسي وإن أخفق في إكمال مسيرته السياسية عندما ترشح في الانتخابات وكرر مقولته في مؤتمر عقد في المنامة. أما وجهة النظر الأولى الصحيحة فهي إن 30 يونيه هي ثورة بالمعنى العلمي الصحيح للثورة إذ خرجت جموع الشعب المصري في ذلك التاريخ للميادين في طول البلاد وعرضها تهتف بسقوط الرئيس مرسي والإخوان المسلمين الذين في خلال سنة واحدة حصلوا على رفض كبير من الشعب وبلغت الملايين التي احتشدت في الشوارع ما بين 30 إلى 35 مليون نسمة في مختلف المحافظات. ونتساءل لماذا نقول بأنها ثورة حقيقية. السبب الأول إن الانتخابات التي جرت في عام 2012 لم تكن انتخابات نزيهة حقاً وإن إدعى ذلك مؤيدوها من الدول الغربية. وهي لم تكن نزيهة لأن 10 إلى 15% من سكان مصر الأقباط تم احتجازهم في منازلهم وتهديدهم بالسلاح من قبل جماعة الإخوان. كما أن مليون بطاقة ثبت أنها سرقت من المطابع الأميرية بواسطة هذه الجماعة. وذلك كله فضلاً عن الرشوة بتوزيع الطعام والزيت والأموال خاصة في المناطق الفقيرة والقرى أضف لذلك كله الإرهاب الديني بنشر فكرة أن من لا ينتخب الإخوان فمصيره النار ومن ينتخبهم من أجل الدين فسوف يذهب للجنة. وهذه جميعاً أطروحات انتشرت في الريف والأحياء الفقيرة في المدن ولذلك استجاب كثيرون لها. أما نزاهة الانتخابات فكانت موضع تساؤل رغم إشراف القضاء وقيام الشرطة والقوات المسلحة بحفظ الأمن.

ودليل انعدام النزاهة الإخوانية إعلان قياداتهم النتيجة قبل إعلانها رسمياً من اللجنة الخاصة بالانتخابات ونشر فكرة أنه ما لم ينجح مرسي فستتحول شوارع مصر إلى بركة من الدماء وامتد الضغط والإرهاب للمؤسسات العديدة. واضطرت الحكومة القائمة للخضوع للضغوط الداخلية والدولية وما قامت به السفارة الأمريكية بالقاهرة ومراكز الأبحاث الأمريكية مسجل في البحوث والدراسات التي نشرت منذ ذلك الحين، وتبشير مراكز البحوث بقدوم الإخوان والترويج لاعتدالهم وعقلانيتهم.

وإما عن الممارسة في السلطة فقد استدعيت عناصر الإخوان وأسندت لهم المناصب في العديد من مؤسسات الدولة باعتبار أن فوزهم غنيمة ولابد من انتهاز هذه الفرصة وتم الإعداد لفصل عدة آلاف من القضاة غير المنتمين للجماعة. كما أن الرئيس لم يلتزم بقواعد القسم الدستوري أمام المحكمة الدستورية إلا بعد ضغط شديد بل ذهب للشارع. وفي جامعة القاهرة حيث عقد اجتماع كرر الرئيس القسم بينما أهين فضيلة شيخ الأزهر ولم يوضع في مكانه اللائق به فاضطر للانسحاب ووضع في الصفوف الأولى قيادات شباب الإخوان وأتباعهم دون مراعاة لقواعد البروتوكول والنظام. وغدر الرئيس المنتخب بقيادات وطنية أيدته بعد وعوده لهم. ومن هنا تكونت جمعيات وقيادات معارضة له وبدأت في التحرك ثم برزت اجتماعات جماهيرية تعقد علانية غير خائفة من القمع الذي كانت تتعرض له.

والتحرك الثاني المهم هو تدخل القوات المسلحة لحماية الشعب المصري من إراقة دمائه لأن جماعات الإخوان كانت مسلحة أما الملايين في شوارع مصر وميادينها فلم يكن لديهم أي سلاح.

وأيدت القو السياسية والدينية تحرك الجيش لمساندة جماهير الشعب الأعزل في مواجهة عصابات إرهابية باعتراف تلك الجماعات عندما أعلن أحد قادتها بأنه إذا لم ينتخب مرسي فسوف تتحول شوارع مصر إلى بركة دماء كما قال أخر إذا لم يعد مرسي للسلطة فسوف يستمر الإرهاب في سيناء وإذا عاد فسوف يتوقف الإرهاب على الفور.

الجيش المصري هو جيش وطني منذ نشأته ودوره في النظام السياسي معروف فأحمس الذي قاد تحرير مصر من الهكسوس وقبله مينا موحد القطرين والرعامسة وامنمحتب وغيرهم كانوا قادة عسكريين ولعبوا دوراً بارزاً في حماية الشعب والدفاع عن الوطن.وفي العصر الحديث ثورة أحمد عرابي 1881 رغم إخفاقها لغدر الإنجليز وتحركهم من جهة كان من المفترض فيها الحياد إذ جاؤوا من جهة قناة السويس بعد أن طاردتهم القوات المصرية من جهة الإسكندرية. وثورة 1952 قادها العسكريون بعد أن أخفق الحكم المدني حتى أن حزب الوفد الذي كان يقوده الزعيمان سعد زغلول ومصطفي النحاس لم يحكم على مدى ثلاثين عاماً من دستور 1923 إلى ثورة 1952 سوى حوالي سبع سنوات وما عدا ذلك كانت أحزاب الأقلية تحكم وتعبر عن انتماءات وولاءات للخارج.