لا يتسع المجال لكثير من التفاصيل ولكن ما أردت قوله هو تأكيد ثلاث حقائق الأولى إن ثورة 30 يونيه هي ثورة شعبية حقيقية ساندتها القوات المسلحة. الثانية إن دور الجيش المصري عبر تاريخ مصر هو دور سياسي وطني وليس ذلك خروجاً على التاريخ المصري بل إن ما حدث له سوابق في الثورات الأمريكية والروسية والصينية ناهيك عن الثورة الفرنسية التي نزفت في عهدها الدماء الغزيرة وتصادمت القوى السياسية والعسكرية مع بعضها حتى أمكن لنابليون بونابرت أن يسيطر على الموقف الداخلي بعد مذابح تلك الثورة التي ينظر لها المؤرخون نظرة إعجاب ورومانسية باعتبارها أم الثورات الحديثة.

الثالثة إن لنضمام الجيش للشعب هو رمز لوحدة الأمة ناهيك عن الوحدة التي برزت في الرموز في يوم الحدث الأكبر بعد الإطاحة بالرئيس غير المنتخب بنزاهة والذي لم يحكم لأن جماعته غير المنتخبة من الشعب هي التي كانت تحكم والتصرفات العديدة غير المواتية التي أساءت لعلاقات مصر مع الدول العربية والأفريقية بوجه خاص.

ورداً على مقولة تدخل الجيش نقول إن القوات المسلحة هي التي أنقذت البلاد من الدماء وهي التي تحارب الإرهاب وتتقدم الصفوف في الدفاع عن الوطن وتقدم تضحياتها بلا تردد وتحافظ على الوحدة الوطنية ولعلنا نذكر مشهد التجمع الوطني العظيم والمبهر فور الإطاحة بالنظام الإخواني عندما جلس شيخ الأزهر بجوار بابا الكنيسة وبجوارهم رئيس المحكمة الدستورية وقيادات مدنية ممثلة للمجتمع تمثيلاً حقيقياً وقرروا النظام السياسي الانتقالي وحقاً اضطلع الرئيس منصور بدوره بأمانة ونزاهة وحيادية بامتياز فحق عليه القول إنه نعم الإنسان الفاضل . هذا الحشد المدني لمختلف القيادات السياسية والقضائية والدينية والعسكرية والأمنية وممثلين للقوى السياسية التي كانت ترفض النظام الإخواني . والدستور الذي ترأس لجنة إعداده الدبلوماسي والسياسي المخضرم عمرو موسي باقتدار ونزاهة وليس مثل دستور الإخوان الذي تم إقراره في الظلام رغم أن رئيس تلك اللجنة كان قاضياً فإنه غلب عضويته في الجماعة على عمله كقاضٍ ولم يكن محايداً كما كان ينبغي.

باختصار كانت 30 يونيه هي ثورة بمعنى الكلمة وفقاً للفقه السياسي والقانوني لأنها ثورة شعب وانضمت لها القوات المسلحة تأكيداً لدورها في حماية أفراد الشعب وقياداته في أوقات الأزمات.

ولاشك أن الإنجازات التي تحققت نتيجة لتلك الثورة يعتز بها كل مصري وفي مقدمتها إعادة اللحمة والتضامن بين عنصري الأمة وبين القوى السياسية المختلفة بما في ذلك القوى الحزبية غير المتلونة . وأكد الدستور عدم إنشاء أحزاب باسم الدين وعدم الخلط بين الدين والسياسة وهذا جزء أصيل من تاريخ مصر وثقافة شعبها ففي ثورة 1919 خطب القس في المساجد وخطب شيوخ الأزهر في الكنائس ورفع الشعب الشعار الأثير لقلوب المصريين وهو الدين لله والوطن للجميع. والواقع أنه ليس هناك مفهوم للحكم باسم الدين وقد خلط البعض بين فترة الرسول الكريم لأنه كان نبياً رسولاً وقائداً ومعلماً . واقتدى به خلفاؤه ولكن بعد ذلك تحولت الخلافة لملك عضوض في العهد الأموي وسالت الدماء ثم جاء الحكم العباسي بثورة فارسية قادها أبو مسلم الخراساني وسالت فيها دماء كثيرة ولم يدع أي منه أنه أقام نظاماً إسلامياً بل أنه إقام دولة في منطقة بها أكثرية مسلمة ولذلك استقطبت الحضارة الإسلامية التراجم والعلوم من مختلف الحضارات وشارك مثقفون من مختلف الديانات في بناء تلك الحضارة عبر العصور. وقد لعب مسيحو المشرق العربي دوراً بارزاً في الحركة الوطنية وفي مقاومة الاستعمار وأيضاً في بعث الفكرة القومية. وفي مصر تعاون عنصرا الأمة نموذج مكرم عبيد وسعد زعلول ثم النحاس معاً في العمل الوطني ولم يطرح أي من القيادات السياسية أو الدينية تلك المفاهيم الدخيلة على الفكر السياسي والتي ظهرت في بعض المراحل التاريخية مثل مفهوم الردة ومفهوم الجزية والتمييز ضد المرأة وضد الأقباط ونحو ذلك ومصر عبر تاريخها لم تعرف مثل هذه الأقاويل كما إن الإسلام كدين لم يميز بين المسلمين وغير المسلمين بل دعا لاحترام وحفظ الكنائس وغيرها من دور العبادات والتاريخ الإسلامي مليء بالروايات الدالة علي ذلك، مثل إصرار بطريرك القدس عندما فتحها المسلمون بأن يسلم المفتاح لعمر بن الخطاب لأنه يعرف احترام الإسلام للأديان الأخرى، ويؤكد القرآن على عدم التفريق بين الرسل ومن ثم عدم التفريق بين أتباعهم بل احترامهم كما احترم عمر بن الخطاب الكنيسة في القدس ورفض أن يصلي داخلها قائلاً إنه يخشى أن يأتي المسلمون من بعده فيقولون عمر صلى هناك ويستولون على الكنيسة. أين هذه السماحة من تلك الطغمة التي قامت بتدمير العديد من الكنائس في مصر والعراق وسوريا وغيرها وفرقت بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد وقتلت المئات من أبناء الأديان الأخرى بتفسيرات مغلوطة وبأفكار لا أساس لها وبممارسات وحشية فأساؤوا للإسلام الحنيف بطموحاتهم وبفكرهم المنحرف وفهمهم الفاسد للإسلام وتحية لثورة 30 يونيه.