الاتجار بالبشر هو جريمة تصنف قانونياً بأنها من الجرائم الدولية التي تشكل واحداً من أبرز وأهم التحديات التي يجابهها عموم العالم في العصر الحديث، وهي من الجرائم الصعبة والمستعصية -في كثير من الأحيان- إما لتشابك وقائعها أو لتعدد أطرافها، وإما لارتداء هذه الجريمة ثوباً حضارياً وتخفيها في رداء القانون على نحو يجعل من الصعوبة بمكان الاستدلال على وجودها وحيثياتها.

ومن المعروف أن هذه الجريمة من الجرائم القديمة قدم البشرية، وهي جريمة مستمرة تطورت أدواتها وتغيرت صورها وأشكالها بتطور الجريمة بشكل عام، وقد مارستها جل الشعوب والحضارات على مر تاريخ النضال الإنساني ومكافحة البشرية عامة من أجل نيل حقوقها.

فمن تجارة العبيد والرق وأسواق النخاسة وما شابهها من مظاهر وأساليب عرفتها البشرية عبر التاريخ لاستغلال الإنسان للإنسان وتطويعه بكافة السبل اللاشرعية وغير القانونية واللاأخلاقية، إلى ما يشهده العالم اليوم من سلوكيات لا تنم في ظاهرها عن انتهاك لآدمية الإنسان أو الاتجار به إلا أنه بالتدقيق فيها وفحصها وتمحيصها يتبين خلاف ذلك.. وهنا مكمن الخطر..

ولذلك فقد تنبهت العديد من الدول -ومن بينها مملكة البحرين- إلى ضرورة الاهتمام بهذه الظاهرة والعمل على مكافحتها من خلال التشريعين الوطني والدولي. وبذلك استحقت البحرين بجدارة المنجز الذي نالته مؤخراً بحلولها في الفئة الأولى ضمن تقرير وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بتصنيف الدول بمجال مكافحة الاتجار بالأشخاص.

لقد أدرك المشرع البحريني باكراً ضرورة مكافحة جرائم الاتجار بالبشر عبر تقنينها ووضع العقوبات الرادعة لمرتكبيها، فقد نص قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1976 في المادة 198 منه على تجريم السخرة أو احتجاز أجور العمال. كما نص قانون العمل على العديد من المواد التي تكافح هذه الجريمة.

هذا فضلاً عن اهتمام البحرين بالمشاركة في المنظومة القانونية الدولية الرامية إلى مجابهة هذه الظاهرة من خلال الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف والبروتوكولات المكملة لها بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، إضافة إلى اتفاقيات تسليم المجرمين الموقعة بين البحرين وغيرها من الدول لتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم المنظمة وجرائم الاتجار بالبشر لمحاكمتهم وإنجاز العدالة الجنائية. كما انضمت البحرين إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين المكملين لها بموجب القانون رقم (4) لسنة 2004. وقد توج ذلك كله بإصدار القانون رقم (1) لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر وما تضمنه من تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر.

وبمعرفة ذلك كله، فإنه لا عجب من أن تتبوأ البحرين مكانة دولية حقوقية رفيعة في هذا المجال عبر حلولها في الفئة الأولى ضمن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بتصنيف الدول بمجال مكافحة الاتجار بالأشخاص وذلك كأول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحصل على هذا التصنيف العالمي.

ولكي نتمكن من تقييم قيمة هذا المنجز الحقوقي الرفيع، من المهم أن نعرف أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية قد قيّم أداء 187 دولة ومنطقة وصنفها إلى فئات الأولى فيها الأفضل والثالثة الأسوأ، وأفضل ترتيب عربي في المجموعة الأولى والوحيد (TIER1) حظيت به مملكة البحرين، بينما جاء تصنيف معظم الدول العربية في المجموعة الثانية.

ويحمل تقرير وزارة الخارجية بشأن الاتجار بالبشر لعام 2018 الدول، عبر إحراجها علناً، على كبح الاتجار بالبشر. وقد أدرجت الولايات المتحدة 22 بلداً على قائمتها لأسوأ الدول فيما يتعلق بالاتجار بالبشر، ومن بين تلك الدول موريتانيا وسوريا وإريتريا وجنوب السودان وإيران وميانمار.

وفيما أدرجت إيران والنيجر إلى قائمة الدول التي تجند الأطفال، أشار التقرير إلى أن إيران لا تستجيب إلى أدنى شروط مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر، رغم مصادقة طهران على معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الدول، وأن ضحايا الاتجار بالبشر مازالوا يواجهون العقاب الشديد بما في ذلك القتل. وذكر التقرير أن مسؤولين في الحكومة الإيرانية تواطؤوا لانتداب الأفغان من الرجال والأطفال في سن 13 سنة ممن يقيمون في إيران، للمحاربة في صف الميليشيات المؤيدة لنظام بشار الأسد في سوريا، وكذلك الشأن في العراق.

وتعد المتاجرة بالأطفال واحدة من أبرز صور الاتجار بالبشر، إلى جانب البغاء وتجارة الأعضاء البشرية.

إن حصول مملكة البحرين على هذا التقييم الدولي المتقدم يؤكد سلامة نهجها الذي اعتمدته لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، وهو يكلل جهود هيئة تنظيم سوق العمل واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك احترام مملكة البحرين لحقوق الإنسان وضمانها أعلى معايير الالتزام بها.

ولعل من أبرز الشواهد على ذلك، القرار الوزاري الصادر عن وزير العمل رقم (24) لسنة 2007 بشأن منع تشغيل العمال في قطاع الإنشاءات تحت الشمس وفي الأماكن المكشوفة في الفترة ما بين الساعة 12 ظهراً و4 عصراً خلال شهري يوليو وأغسطس، والذي لايزال معمولاً به منذ بدء سريانه، هذا إلى جانب قرار وزارة الداخلية بمنع نقل العمال في السيارات المكشوفة، وتصريح العمل المرن، ونظام الإحالة الوطني لضحايا الاتجار بالأشخاص، وغيرها.

سانحة:

إن حلول مملكة البحرين في الفئة الأولى بتقرير الخارجية الأمريكية حول الاتجار بالبشر هو إنجاز حقوقي - دولي مهم، من الضرورة بمكان الاستفادة منه واستثماره فبالإضافة إلى رفده رصيد البحرين الحقوقي فإن له جانباً اقتصادياً مهماً من خلال إمكانية استقطاب الاستثمارات العالمية واجتذابها إلى البحرين.. باعتبارها مملكة القانون والتسامح واحترام حقوق الإنسان وإعلائها.

مبارك للبحرين وقيادتها وشعبها هذا المنجز.. ودامت راية البحرين عالية شامخة خفاقة في كل المحافل.