غالبية البيوت خلال هذه الفترة يتواجد فيها أطفال "معطلين" أي أنهم في إجازة العطلة الصيفية. وفي مقالنا هذا نحن نستثني بالطبع أولئك الذين يدرسون خلال العطلة الصيفية أو ينضمون لمراكز تحفيظ القرآن الكريم ولبرامج صيفية تشغل أوقات فراغهم بالمفيد.

مصطلح "معطلين" بالمناسبة هو مصطلح يختصر حالتهم فعلاً، فهناك الكثير منهم لا سيما أولئك الذين سيقفزون من المرحلة الإعدادية إلى الثانوية "المراهقون" معطّلون فعلاً عن الحياة، جسده معطّل عن الحركة فتجد الكثير منهم ينام حتى فترة الظهيرة أو العصر ثم يجلس على شاشة الهاتف والتلفاز حتى ساعات متأخرة من الليل، لم يبقَ حساب من مواقع التواصل الاجتماعي لم يعلق فيه بتعليقات سخيفة وشتائم وسباب، وعقله معطل عن التفكير ونهل المعرفة والثقافة، وهناك فرق بين الدراسة الأكاديمية ودراسة الحياة والتثقف في أمورها "مما زاد من أمراض البدانة والغدد والسكر والعظام عند هذا الجيل بمعدلات غير معقولة".

عقله لا يتواصل مع المجتمع من حوله ليفكر ويناقش ويرى العالم ويكتسب قيم وأخلاق مجتمعه "وتحكه الدنيا"، بالأخص الشباب الذي يحتاج لأخذ علوم الرجال وتعلم المرجلة، وهذه العلوم غير متوفرة بالمناسبة إلا في مجتمع الرجال، فوالداه مشغولان عنه وليس هناك "فريج" حي يخرج إليه ليلعب مع أقرانه كما كان يحدث مع الأجيال السابقة، ولا يوجد متنفس أمامه سوى المجمعات التجارية التي في الغالب سيتجه إليها برفقة الخادمة البعيدة عن أخلاق مجتمعنا، فحتى لو حاول تحريك نفسه قليلاً ستجده في "كوفي شوب" أي أحد مقاهي هذه المجمعات جالساً على هاتفه أو الآيباد "الذاكرة المحمولة" يتجول بين مواقع التواصل الاجتماعي وتنطبق عليه عبارة "أكل ومرعى وقلة صنعة!!".

المشكلة التي نجدها عند بعض أولياء الأمور ترديدهم لمصطلحات من نوع "عيالي متربين أحسن تربية.. ربيتهم على الاحترام والأدب!"، طيب أبناء من هؤلاء إذن الموجودون 24 ساعة على مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل غير لائق لا يمثل أخلاق مجتمعنا؟ هل التعليقات التي تحمل الكثير من الكلام البذيء والشتائم التي نجدها على صورة في الإنستغرام وتتجاوز الألف والألفين لمجموعة من الجان مثلاً؟

فالصدمة أن هناك جيلاً ناشئاً لا يعرف "السنع" والتكلم بأدب مع الآخرين، لأن والديه مشغولان عنه ولا يتابعان حراكه وتفاعله الإلكتروني، هذا الجيل الكثير منه يظن أن ساحة مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لفرد عضلاته وقول ما يود قوله بكل حرية مع قلة وعي وجهل بإخطار ما يفعله، والنتيجة في النهاية تأتي على الأم أو الأب المهملين خاصة عندما يجرجر ابنهم أو ابنتهم في قضايا بسبب قذفها لمشهور وتقدمه بشكوى عند الجرائم الإلكترونية!

كثير من هؤلاء يستسهل الكلمة دون وزن أثرها، وكم من صورة لمشهور أو فنانة تقززنا من كمية التعليقات البذيئة والكلام الهابط المدرج تحتها، هناك كلمات قذرة يرددها هؤلاء وبعضهم يفهم معناها وبعضهم نجده يسأل الآخرين عن معناها!

يجهل أولياء الأمور أهمية تلقين أبنائهم قبل إهدائهم الهواتف الذكية وشرائها لهم، أهمية الشعور بالمسؤولية تجاه أي تصرف يقوم به حتى لو كان إلكترونياً، وأهمية أن ينتبه أنه مثل السفير لتربيتهما أمام الناس، وأن إنشاء حساب وهمي لن يعفيه عن مسألة التمكن من الوصول إليه ومحاسبته في حال أخطأ، كما أن قول الكلمة الطيبة صدقة وديننا الحنيف نهى عن الشتائم والسباب ورمي أعراض الناس، فما بالك بطفل أو مراهق جالس 24 ساعة "متعسكر" في حسابات الفنانين والمشاهير لشتمهم وقذفهم ورمي مصطلحات لا تصلح أن تقال حتى، وعندما نأتي إلى الشباب المراهقون فالطامة أكبر حيث نجد شاباً بدلاً أن يتعلم علوم الرجال ليس لديه شيء سوى مقارنة أجسام الفنانات "ضعفت - متنت - مسوية شفط" وطريقة تسريحات الشعر والمكياج والملابس والتعليق بشأنها ونشر صورهم، "فالبيئة من حوله لم تعلمه الخطوط الحمراء واللباقة والأدب، وأنه من المعيب أن يتدخل الشاب أو الرجل في مسائل النساء، حتى بات العرف عند الجيل الناشئ من الشباب أن مناقشة مثل هذه الأمور والتعليق عليها شيء عادي جداً!".

الجيل الناشئ حالياً يتعسكر إلكترونياً، وهناك حاجة فعلية لأن تواكب الأندية والمراكز الشبابية هذه الموجه بإيجاد أنشطة وفعاليات و"قروبات" إلكترونية متوفرة لدى هذا المراهق والطفل 24 ساعة تكون بديلاً عما يفتقده على أرض الواقع بعد تغير ثقافة المجتمع ونمط حياة الأطفال والمراهقين.

فالجيل الحالي يتجرع ثقافته وينهل معلوماته من خلال هاتفه الذكي مهما حاولت إشغاله بنشاط ميداني في مركز أو معهد مدته ساعة أو ساعتين بالكثير من ساعات يومه، والأنشطة الإلكترونية تستقطبه لأنها تتوافق مع ميوله واهتماماته "يولد الطفل ولا تهدئه عن البكاء سوى شاشة الآيباد أو الهاتف، "ولعل موجة الألعاب الإلكترونية التي غزت الهواتف الذكية أبرز مثال نستشهد به على كلامنا هذا حيث تتيح بعض الألعاب خاصية الدردشة والتواصل مع الآخرين، فيميل لها هذا الطفل والمراهق للعب والتسلية وبنفس الوقت التواصل مع الآخرين، كما أن قصة تجنيد داعش للأطفال والمراهقين من خلال الدخول عليهم عبر هذه الألعاب الإلكترونية خير دليل أن هناك حاجة من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لغزو هذا المعسكر الإلكتروني الشبابي الذي يبرز في كل عطلة صيفية ببرامج وفعاليات إلكترونية تتنوع ما بين الترفيهية والثقافية تكون بديلاً عن ثقافة المجتمع التي حرم من اكتسابها بسبب تغير نمط حياة الناس وتعسكره إلكترونياً في عالم افتراضي، حيث نقترح إطلاق تطبيقات لألعاب إلكترونية تحمل فائدة وتمرر رسائل تربوية غير مباشرة وبرامج وحملات وأنشطة إلكترونية تشجع الشباب على تجنب الشتائم والسباب والاهتمام بـ"السنع" والارتقاء الأخلاقي ومناقشة القضايا المفيدة عند التفاعل في حسابات التواصل الاجتماعي.